تواصل الولايات المتحدة والصين رهان القوة حول المفاوضات التجارية، حيث اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً، فرض رسوم على 200 مليار دولار من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.
ورداً على ذلك قامت بكين، التي لا تخشى ميزان القوة وتعتقد أن هذا الأخير يصب في مصلحتها، بفرض رسوم على المنتجات الأميركية قيمتها 60 مليار دولار. وفي الأثناء، يتابع العالم بقلق ما يمكن أن ينشأ عن عرقلة تدفق المبادلات الدولية، والعودة إلى حمائية تجارية شرسة، وبداية أزمة اقتصادية.
ومن المؤكد أن ترامب يستطيع استخدام تكتيك مفاوضات كلاسيكي يحلو له وكثيراً ما قال إنه أحد أكبر المتخصصين فيه، أي التهديد من أجل الحصول على موقف أفضل. وبالتالي يمكن القول إنه ما زال بوسعنا أن نأمل في توصل الطرفين لاتفاق، نظراً لأنه في الحروب التجارية عموماً ليس هناك فائز وإنما هناك خاسرون فقط.
والواقع أن الاعتماد التجاري بين الصين والولايات المتحدة متبادل. فالأولى بحاجة للوصول إلى السوق الأميركي لمواصلة نموها الاقتصادي، الذي يمثل قاعدة شرعية النظام، والثانية بحاجة إلى منتجات صينية رخيصة من أجل دعم القدرة الشرائية لمواطنيها والتحكم في التضخم. وبالمقابل فإن العجز التجاري الأميركي ثقيل جداً، لكن يعوّضه شراء بكين للسندات الأميركية.
وهناك موضوع آخر تختلف حوله الولايات المتحدة والصين أيضاً، وإنْ كانتا تتقاسمان مصالح مشتركة، ألا وهو حماية المناخ. فمؤخراً، تعرض كلا البلدين بشكل متزامن تقريباً لكارثة طبيعية. فقد ضرب إعصار فلورانس ولايتي كارولاينا الشمالية وكارولاينا الجنوبية بقوة، وسقطت على المنطقة أمطار طوفانية تسببت في فيضانات وسيول، أرغمت السلطات على القيام بإجلاء جماعي للسكان وتدخل الجيش من أجل منع أعمال النهب، بعد أن انقطع التيار الكهربائي عن نحو 500 ألف منزل. وفي آسيا، تسبب إعصار ما نخوت في خسائر هامة أيضاً في مدينتي ماكاو وهونج كونج، وبلغ عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في الجنوب الشرقي للصين بسبب العاصفة 3 ملايين شخص.
صحيح أنه كانت ثمة دائماً عواصف وأعاصير، لكن هذه الأخيرة باتت تحدث بوتيرة أعلى وتضرب بقوة أكبر في السنوات الأخيرة. فهذا الصيف، مثلاً، شهدت ولاية كاليفورنيا الأميركية حرائق مهولة. والولايات المتحدة والصين هما البلدان الأهم في إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الكوكب.
واعتقاداً منهما بأن أي تدابير لحماية البيئة ستكون ضد نموهما الاقتصادي، وبسبب حرصهما الشديد والمفرط على حماية سيادتهما، فإن البلدين لطالما رفضا الانضمام إلى تدابير تقييدية لحماية البيئة. غير أن الصين عمدت مؤخراً إلى تغيير موقفها السابق بشكل جذري من خلال توقيعها اتفاقية باريس لمكافحة الاحتباس المناخي في ديسمبر 2015. والواقع أن الولايات المتحدة فعلت ذلك أيضاً، لكن ترامب ندد بتوقيع سلفه باراك أوباما على الاتفاق. وإلى ذلك، فإن ناخبي هذا الأخير ينكرون واقع الاحترار المناخي ويعتقدون أن المعايير الدولية يمكن أن تضر بالتنافسية الاقتصادية الأميركية. وعلى العكس من ذلك، تعتقد بكين أن الأمر يتعلق بوسيلة لدعم التنافسية الاقتصادية وتقويتها عبر المراهنة بشكل كبير على الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية. فالصين ترى في ذلك، بفضل الاستثمارات الضخمة المتوقعة، وسيلة لتقلد الزعامة في قطاع في أوج تطوره. كما أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يرى في ذلك وسيلة لإرضاء الرأي العام الصيني، الذي بات يحتج بشكل متزايد على المشاكل الصحية التي يطرحها التلوث.
أما في الولايات المتحدة، وسواء بخصوص هذا الموضوع أو غيره، فإن البلاد منقسمة على نفسها بشكل عميق بين من هم واعون بأهمية حماية البيئة، ومن يؤْثرون النمو الاقتصادي على ما سواه. غير أنه إذا تدهور المناخ كثيراً واستثمرت البلدان الأخرى في قطاعات المستقبل أكثر، فإن هذا النمو سيكون على المدى القصير فقط، وسيكون له تأثير سلبي على المدى الطويل.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس