يبدو الاحتفاء الإماراتي باليوم الوطني السعودي تعبيراً جميلاً عما وصلت إليه العلاقات الإماراتية السعودية من تكامل وتماه في رؤية استراتيجية، لمصالح البلدين، ثم لمصلحة الخليج العربي ومصالح الأمة العربية والإسلامية.
والملفت أن نشهد في الإمارات برامج احتفالية بهذا اليوم الوطني السعودي يفوق ما تقتضيه العلاقات الدبلوماسية العادية التي تقيمها السفارات أو القنصليات بشكل رسمي معتاد، فقد حرصت فعاليات مهمة في دولة الإمارات على توسيع المشاركة عبر حفلات متنوعة وفي أماكن عديدة تعكس مدى التماهي في مسيرة سعودية- إماراتية مشتركة تجعل البلدين يشكلان محوراً استراتيجياً يكاد يكون الوحيد القوي في العلاقات العربية البينية الراهنة في وقت يتعرض فيه النظام العربي كله لمآسي الضعف والتفكك والاضطراب في العلاقات، مما يحمّل السعودية والإمارات مزيداً من المسؤوليات لإبقاء الحامل العربي حياً، وقادراً على ملء الفراغ الذي حدث في البنية المنكسرة بعد العواصف المريرة التي هبت عليها من مطلع هذا العقد بما فيها الثورات التي أخفقت في تحقيق بنىً جديدة تضمن استقراراً وأمناً، وقد كبرت مسؤولية البلدين في مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تصدرت المشهد الدولي وباتت مصدر خطر عالمي، وكان على الدولتين أن تقودا تحالفاً لمكافحة الإرهاب في اليمن وقد صار تهديداً تقوده إيران كما قادته في العراق وسوريا، وتهدف إيران من ورائه إلى حصار العرب وإضعاف دولهم كي تحقق مشروعها الإمبراطوري في الوطن العربي كله، ثم لتمتد في الشرق الأوسط وبلدان أخرى في آسيا وأفريقيا.
لقد نهضت دولتا الإمارات والسعودية لمقاومة هذا المد الخطير الذي اتخذ من الإسلام لبوساً، هو تعمية عن أهدافه المضمرة وهي تشويه صورة الإسلام أمام البشرية، وإلحاق صفة الإرهاب به، وزعزعة الأمن والاستقرار، ولم يكن ثمة بد من عاصفة الحزم، ومن التمسك بالأمل بعد أن كاد اليأس يسيطر على المفجوعين بالانهيارات المتلاحقة.
لقد تكاتفت الدولتان في مواجهة الأخطار المحدقة، وتكاملت رؤاهما حول كل القضايا التي تشكل تحدياً مشتركاً، أو ميداناً لتعاون شامل لصالح شعبيهما، فكان التنسيق الدبلوماسي في المحافل الدولية نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه العمل العربي المشترك، كما كانت مواقف البلدين متحدة ومتكاملة في التفاعل مع الأحداث التي تضطرب في الوطن العربي، وقد لمسنا أهمية هذا التكامل في الموقف من القضية السورية، حيث قام البلدان بتقديم العون والدعم للشعب السوري في محنته، وبخاصة في الميادين الإغاثية والصحية، كما قدما جهداً دبلوماسياً حثيثاً في البحث عن حل سياسي للقضية السورية.
ومع ضخامة الأعباء التي تواجه البلدين في دفاعهما عن وحدة اليمن وعن حرية شعبه وشرعية دولته، وتنامي الخطر الإيراني المحدق بالأمة كلها، تكبر مسؤولية البلدين في الحفاظ على أمن الخليج العربي وعلى مجلس التعاون الذي يشكل القلعة الأخيرة بين بنى النظام العربي، ووسط هذا المحيط الهائج من رياح الفوضى العارمة، كان على البلدين أن يرسخا بنية اجتماعية واقتصادية متينة تحمي البلدين وتشكل رافعة للتعاون العربي، ولعل (خلوة العزم) ومجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي أطلق عام 2016 يشكل المنطلق الأقوى للبلدين نحو مزيد من التكامل العسكري والأمني والاقتصادي، وقد شهد البلدان ولادة مشاريع كبرى ستصاعد من حجم المشاريع المشتركة التي وصلت الآن إلى 157 مشروعاً كبيراً، ومن حجم التبادل التجاري الذي وصل العام الماضي إلى 23 مليار دولار، وهو في نمو مطرد.
وإذ نهنئ المملكة العربية السعودية الشقيقة، بيومها الوطني ونبارك الجهود الخيرة التي تبذلها لصالح الأمة جمعاء، فإننا نهنئ دولة الإمارات أيضاً بنتائج هذه الأخوة الصادقة بينها وبين المملكة، ونرجو أن تكون هذه العلاقات المميزة دليل عمل تقتدي به الدول العربية الشقيقة، عسى أن يتحقق تكامل عربي يفيد من نتائج المحن، ويدرس أسباب الانهيارات التي حدثت، ويعيد مسارات الأمة إلى طريق النهوض.