«حماية الكنوز البشرية الحية» على المستوى العربي لجهة التأصيل والتثقيف والمنتج المعرفي للتراث وتوابعه، تقودنا إلى نسبها مكاناً إلى الشارقة من ناحية تعميقها، وإلى الإمارات كلها في الشق الخاص بتوسعتها وشموليتها، أما فيما يخص التصنيف والتوصيف على مستوى المبدأ والموقف والاهتمام والدعم محلياً وعربياً وعالمياً، فإن ذلك يعود إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، كما هو في حالة التجلّي والنشاط لـ«معهد الشارقة للتراث»، من خلال نشاطاته المتعددة ومنها: ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الثامنة عشرة، الذي استطاع أن يجعل من اللهجات المحلية الحية العربية والأجنبية تتعايش في فضاء واحد، في تقديم على خشبة المسرح هو أقرب إلى اكتشاف نجوم رواة جدد لم يسبق لهم الدخول في هذا المجال، ولا العمل المشترك، ولا تفاعل مسبق مع لهجات حية تواجه جملة من المحاذير، من أخطرها: الدفع بلهجات غير عربية للظهور في فضاء لغة الضاد، والتعبير عن نفسها دون وجل أو خوف.
في البداية كان المقصود بـ«الكنوز البشرية الحية» رواية السير الشعبية والحكايات القديمة.. إنها قصص من تخيلات البشر في الماضي بصوت الأحياء ومشاعرهم أيضاً، وهي على نحو آخر إحياء للذاكرة البشرية المتنوعة حسب تعدد المجتمعات وثقافاتها، كما أنها نقل للخبرة، غير أنها وهي تسترجع قصص البشر في الماضي القديم والبعيد تسهم في الحفاظ على أمن الأفراد والدول والأمم.. إنها حماية حقيقية من النسيان والضياع، وفي التجربة اليابانية خير مثال، إذ لجأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في 1950م، إلى حماية شعبها ثقافياً ونفسياً وسياسياً بالحفاظ على الكنوز البشرية الحية، أي أن الإنسان هو البداية والنهاية مثلما تفعل اليوم الشارقة ضمن إستراتيجية عامة لدولة الإمارات في تنشيط الذاكرة المحلية والقومية من جهة، وفي الشراكة مع دول العالم ثقافياً من جهة ثانية، وفي الكشف عن الوجه الجميل لدورها الحضاري من خلال قوتها النّاعمة.
لقد تطور الاهتمام بالكنوز البشرية الحيَّة، حتى شمل في رحلته منذ 1964م إلى اليوم رغم أن سيره كان بطيئاً عدداً من الدول منها على سبيل المثال: كوريا الجنوبية، والفلبين، وتايلاند، وفرنسا، ورومانيا، ومالي وموريتانيا.. إلخ، إلى أن تبلور ضمن مشروع طرحته منظمة «اليونسكو» في اتفاقية صون التراث الثقافي اللاَّمادي عام 2003م، وقد وقعتها 170 دولة، واليوم يأخذ الاهتمام بالكنوز البشرية الحية موقعاً متميزاً في الإمارات من خلال نشاط الشارقة عبر مختلف مؤسساتها، وخاصة معهد الشارقة للتراث، الذي يعمل اليوم كما قال رئيسه الدكتور عبد العزيز المسلم من أجل إنشاء قاعدة بيانات عملية رقمية موثقة تستهدف التراث الإماراتي والخليجي والعربي، ولهذا توسع مجال الاهتمام بالرواة ليشمل كل من له خبرة قديمة في مجالات ذات صلة بالماضي البعيد.
غير أن الأمر لم يقف حسب البحوث والدراسات عند الاهتمام بالخبرة المتراكمة للأجيال وإعادة إحيائها، مما ترتب عليه توسيع مفهوم الراوي، ولكنه أصبح جزءاً من الأمن القومي العام، حيث الحفاظ على الذاكرة والهوية والتراث والتاريخ كما جاء في تحليل الدكتور«أحمد مرسي»، الخبير بالتراث، إضافة إلى إنه يتطلب اليوم التفكير بجدية في طرق ووسائل تضمن صون الموروث الثقافي وسن سياسات واستراتيجيات ثقافية واضحة، كما ذهب إلى ذلك الدكتور«مصطفى نامي» الخبير في التراث، وهذا النوع من النقاش يَشِي بأن الاجتهاد في هذا المجال موفق، وواعد، وحامٍ لنا من الهزات الكبرى.