استشاط أقطاب حزب ليكود الحاكم بزعامة بنيامين نتنياهو غضباً ضد إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل السابق، بسبب تصريحاته المؤيدة لحل الدولتين وبسبب المديح الذي كاله لمحمود عباس كرجل مهتم بصنع السلام. وكان أولمرت قد التقى عباس في باريس على هامش لقاء الرئيس الفلسطيني بالرئيس الفرنسي ماكرون. قال أولمرت في شهادته التي أغضبت حزب ليكود الحاكم، إنه لمس أثناء مفاوضاته مع عباس أنه شريك جاد في عملية السلام عندما كان يتفاوض معه كرئيس للوزراء عام 2008. وأضاف أولمرت أن عباس قائد سياسي عظيم وأنه يعتبره أهم شخصية بالنسبة للتطورات المستقبلية في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. وزاد أولمرت قائلا إن عباس هو الشخص الوحيد في الشعب الفلسطيني القادر على إنجاز السلام وإنه أثبت في الماضي بأن لديه التزاماً عميقاً بتحقيقه. أما فيما يتعلق بحل الدولتين، فقال أولمرت إنه يعتقد بأنه لا يوجد بديل لهذا الحل، وإن هذا الحل ما زال ممكناً.
وفي إطار شهادته، نفى أولمرت الرواية التي يرددها حزب ليكود والتي تقول إن عباس رفض عرضه بالسلام، وذلك بهدف تنفير العالم من عباس ووصمه بأنه لا يسعى للسلام بل إلى تدمير إسرائيل، حيث قال أولمرت: إني على ثقة بأنني لو كنت واصلت وجودي في رئاسة وزراء إسرائيل لعدة أشهر أخرى لكان السلام قائماً اليوم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كذلك أكد أولمرت، على عكس ادعاءات ليكود، أن عباس مستعد للمضي قدماً في إطار العمل الذي كنا قد توصلنا إليه. من ناحية أخرى أضاف شخص قريب من أولمرت أن لديه انطباعاً من محادثاته مع عباس بأن الرئيس الفلسطيني يتلمس طريقاً ما لتجنب الضغوط الأميركية.
ويبدو أن انطباع أولمرت صحيح بدليل التصريحات التي أدلى بها عباس للصحفيين بعد محادثاته مع الرئيس الفرنسي، حيث أكد بوضوح أنه مستعد لإجراء مفاوضات سرية أو علنية مع إسرائيل وأنه طلب من ماكرون أن ينقل هذه الرسالة للرئيس ترامب أثناء لقائه به على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأوضح عباس موقفه الذي يحاول حزب ليكود التشويش عليه بقوله: مستعدون للذهاب إلى أي مفاوضات سرية أو علنية بوساطة الرباعية الدولية بالإضافة إلى دول أخرى. وجدد عباس دعوته للرباعية أن تتولى الوساطة بينه وبين إسرائيل وعدم التخلي عن هذه المهمة للولايات المتحدة.
من الطبيعي أن يصطدم موقف عباس هذا مع موقف ليكود بزعامة نتنياهو، والذي يبدو مصمماً على عدم التفاوض مع الفلسطينيين إلا عبر الوسيط الأميركي.
ارتباطاً بهذا شن رجال ليكود هجوما عنيفاً على أولمرت وحاولوا تشويه صورته أمام الجمهور الإسرائيلي، معيرين إياه بأنه كان قد عرض حائط البراق على عباس أثناء مفاوضاتهما، وهو أمر غير صحيح في الحقيقة، حيث إن أولمرت كان قد اقترح على عباس وضع القدس القديمة التي تشمل حائط البراق تحت سيطرة دولية.
لقد بلغ غضب ليكود مبلغاً كبيراً ضد أولمرت، فوصفه ناطق باسم الحزب بأنه أصبح متحدثاً باسم عباس الذي لا يهدف إلا لتدمير إسرائيل! وبالطبع نال عباس هو الآخر نصيبه من انتقادات رجال ليكود الذين سخروا من محاولاته للهروب من الضغوط الأميركية، وقالوا إن الولايات المتحدة والعديد من الدول أدركت أن عباس أصبح العقبة الحقيقية في وجه السلام وأن مطالبه تدل على أنه لا يبحث عن السلام بل عن إلحاق الضرر بإسرائيل! ويبقى السؤال: هل سيتوصل عباس إلى إحياء عملية السلام المتوازنة أثناء وجوده في نيويورك، أم سيعود إلى الضفة محبطاً ليعلن انسحابه من اتفاقية أوسلو، ويعلن فلسطين دولة تحت الاحتلال؟