تشهد الساحة العراقية حالة تأزم متصاعدة، فمنذ انتخابات 12 مايو الماضي، وحتى الآن ما زال التوافق على تشكيل الحكومة يمر بأزمة، إذ تتأثر جهود تشكيل الحكومة العراقية الجديدة واختيار رئيس للجمهورية بالمصالح السياسية والتدخلات الخارجية. ويعلم الجميع أن التفاهمات السياسية وحدها ستحسم المشهد السياسي والتفاهمات لا تتعلق بالأحزاب السياسية العراقية فحسب، بل تمتد للفاعلين الخارجيين المؤثرين على الساحة العراقية، وبالتحديد طهران وواشنطن. أي أن توزيع المناصب الثلاثة في العراق بعد الانتخابات العراقية التي جرت في السنوات السابقة هو محصلة صفقات سرية بين طهران وواشنطن، أفضت إلى التوافق على رؤساء الحكومات السابقة، وعليه انعكست الأزمة بين طهران وواشنطن على الساحة العراقية، فتجسد الصراع في محاولات أميركية مقابل سعي إيران لتنصيب حلفائها في المناصب لقيادية في الحكومة العراقية، إذ يحاول قاسم سليماني إقناع الأطراف الشيعية الموالية لطهران بالتكتل لدعم مرشح واحد حال بدء عملية تشكيل الحكومة، مقابل محاولات مماثلة من المبعوث الأميركي للعراق «بريت ماكغورك» لعقد لقاءات مع حلفائهم من ساسة سنة وشيعة وأكراد لتشكيل الحكومة.
تبدو الصورة في العراق غامضة في وسط حالة من هلامية الصفقات والتسويات، فحسم الرئاسات الثلاث سيعكس التوافقات، وهو ما ظهر جلياً في اختيار هيئة رئاسة مجلس النواب، حيث تم حسم أمر رئاسته بفوز محمد الحلبوسي الذي حصل على أصوات 169 نائباً مقابل 89 لوزير الدفاع السابق خالد العبيدي. وعكس اختيار الحلبوسي النفوذ الإيراني مقابل تراجع التأثير الأميركي، بينما تتواصل المشاورات السياسية داخل العراق بين الأكراد، والكتل العربية من جهة حول مرشح رئاسة الجمهورية، فيما تناقش كتل نيابية أخرى منصبَ رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة. وكان البرلمان قد حدد يوم الثاني من أكتوبر موعداً نهائياً لانتخاب رئيس جديد للعراق ليتم انتخاب رئيس وزراء لاحقاً ومن ثم تشكيل حكومة جديدة.
يشهد اختيار رئاستي الجمهورية والوزراء صراعاً محموماً حتى داخل نفس الطائفة والحزب، إذ أعلن مجلس النواب العراقي قائمة تضم سبع مرشحين لرئاسة الجمهورية استوفوا الشروط القانونية للترشح للمنصب، وتم تحديد يوم الثاني من أكتوبر موعداً نهائيا لاختيار أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، فيما ظلت التجاذبات بين مختلف القوى السياسية الكردية بالغة التأزيم رغم محاولات الحسم. وفيما يتعلق بالرئاسة، تقدم «الاتحاد الوطني الكردستاني» بترشيح برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية، فيما أعلن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» ترشيح فؤاد حسين للمنصب، ينافسهما مرشحون أكراد آخرون تابعون لأحزاب سياسية أو مستقلين.
وسيتكرر سيناريو اختيار رئيس البرلمان لناحية التسويات والضغوطات الخارجية عند اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إذ قرر حزب «الدعوة» توحيد صفوفه في مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر، حيث دعت قيادات الحزب إلى توحيد ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بكتلة واحدة في اجتماع الحزب الذي حضره العبادي والأمين العام للحزب نوري المالكي وقيادات أخرى، انتهى باتفاق على مشاركة الحزب بوفد تفاوضي واحد في عملية تشكيل الحكومة المقبلة. وكان ائتلاف النصر بقيادة العبادي قد خاض الانتخابات العراقية بقائمة مستقلة وحصد 42 مقعداً، وانضم إلى كتلة «الإصلاح والإعمار» التي تضم كتلة «سائرون» و«الحكمة الوطني» و«الوطنية» و«اتحاد القرار»، فيما حصد تحالف «دولة القانون» 26 مقعداً مما يعني إعادة خلط الأوراق السياسية، خاصة أن حزب الدعوة بقطبيه لم يسم مرشحه لرئاسة الوزراء.
وتشهد البصرة ومدن الجنوب العراقي تظاهرات واعتصامات تطالب بالخدمات الأساسية مثل ماء الشرب والكهرباء، في تجسيد لمأساة العراق الآن بعيداً عن لعبة الكراسي بين النخب السياسية بامتداداتها الإقليمية وولاءاتها العابرة للحدود فإعادة تدوير الكراسي وفق الصفقات والتسويات لن ينتج عنها إلا إعادة إنتاج أزمات العراق من فساد وطائفية وارتهان للخارج. فالمعضلة العراقية اليوم تتعدى الأسماء نحو الحاجة لانتشال العراق من أزماته ببرنامج وطني، وتلك معضلة الدولة العراقية.