تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أقوى دولة في العالم لما تتمتع به من إمكانات اقتصادية ومن قدرات عسكرية. ويعتبر الرئيس الأميركي –أياً كان هذا الرئيس- أقوى رجل في العالم، لما يتمتع به من صلاحيات في اتخاذ القرارات، بما فيها القرار بشنّ حرب نووية. إلا أن هذا الرئيس هو في الحسابات الأخيرة إنسان معرّض للخطأ. فكيف يمكن تدارك مثل هذا الخطأ قبل وقوعه، وقبل أن تدفع الإنسانية جميعها ثمنه.
قبل الرئيس الحالي دونالد ترامب واجهت الولايات المتحدة حالات من هذا النوع. وخرجت منها بمبادرات فردية غير دستورية، إلا أنها أنقذت البلاد.. والعباد. فالرئيس الأميركي ودرو ويلسون أصيب بمرض عضال في الفترة الأخيرة من رئاسته، بحيث أنه لم يعد قادراً على التفكير واتخاذ القرار. وخلافاً للدستور الأميركي، تولت زوجته أديث اتخاذ القرارات بالنيابة عنه طوال تلك المرحلة. كل ما كان يفعله هو التوقيع. ولكن حتى توقيعه كان يبدو مختلفاً نظراً لحالته الصحية المتدهورة.
وحتى الرئيس رونالد ريجان الذي يعتبر واحداً من أهم الرؤساء الأميركيين في القرن العشرين، أصيب بمرض الزهايمر وهو لا يزال يمارس دوره على رأس السلطة في البيت الأبيض. كانت ذاكرته تذهب وتعود. ولذلك أصيب بحالة من التشوش الذهني بحيث إنه لم يعد صالحاً دائماً لاتخاذ القرار. لم تكن زوجته نانسي «مسيسية» مثل أديث زوجة الرئيس ويلسون. لقد تخرجت مثله من معهد التمثيل السينمائي. ولذلك عمد كبار مساعديه إلى بحث العمل بالمادة الخامسة والعشرين من الدستور الأميركي. وتتناول هذه المادة كيفية التعامل مع الرئيس عندما لا يكون في حالة وعي كامل أو عندما يكون في حالة ذهنية لا تمكّنه من اتخاذ القرار.
ولعل أبرز مرحلة من تلك المراحل الدقيقة في عملية اتخاذ القرار التي مرت بها الولايات المتحدة، كانت في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون. فبعد اكتشاف فضيحة ووترجيت (التجسس على مقر الحزب الديمقراطي في واشنطن التي جرت بقرار منه شخصياً)، أصيب الرجل بإحباط شديد. فلجأ إلى المشروبات الكحولية. حتى أنه كان يتعته في كلامه، ويترنّح في مشيته وهو في مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض. ولكنه في تلك الحالة كان لا يزال الرئيس الذي يتمتع بالصلاحيات الواسعة في أقوى دولة في العالم.
وخوفاً من تداعيات هذا الأمر، وجّه وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت جيمس شليسنجر مذكرة سرية إلى القوات العسكرية الأميركية يطلب فيها عدم تنفيذ أي أمر يصدره الرئيس بشنّ حرب نووية. وخلافاّ للنص الدستوري، ولصلاحيات رئيس الدولة، فإن مذكرة الوزير –الذي يعيَّن بقرار من الرئيس- طالبت القوات العسكرية بالعودة إليه شخصياً، أو بالعودة إلى وزير الخارجية في ذلك الوقت الدكتور هنري كيسنجر. والوزير كيسنجر هو أيضاً معيّن في منصبه بقرار اتخذه الرئيس نيكسون منفرداً.
لقد تعرض الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب إلى حالة مشابهة، أو على الأقل هكذا يعتقد خصومه السياسيون، وحتى بعض العاملين في إدارته. فعندما طلب ترامب من المدعي العام «جيف ساسيون» فرض رقابة على «خصوم الرئيس وأعدائه» (وهو عمل مخالف للدستور)، وعندما طلب منه أيضاً وقف التحقيق في قضية التجسس الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية باعتبار أن هذه القضية مختلقة ولا أساس لها من الصحة، عطّل «ساسيون» تنفيذ أوامر الرئيس، الذي يعود له الفضل في تعيينه في منصبه القضائي الرفيع. كذلك طلب الرئيس ترامب من مستشاره الخاص «دونالد ماك-غان» إنهاء خدمات المحقق العام «روبرت مولر»، إلا أنه لم يستجب للطلب لأنه اعتبره قراراً غير دستوري. في كتاب جديد نشرته المستشارة السابقة في البيت الأبيض «أوما روزا نيومان» بعد إنهاء خدماتها بصورة مفاجئة، أكدت وجود فريق داخل البيت الأبيض من كبار المستشارين والموظفين يعمل معاً على تدارك «الهنّات غير الهيّنات» للرئيس. وقالت إن أعضاء هذا الفريق الذين يشكلون ما سمته جيشاً صامتاً هم أعضاء في حزبه (الجمهوري) وفي إدارته.