في الحادي عشر من نوفمبر المقبل سيتم عقد «منتدى باريس للسلام» الذي ستتواصل أشغاله على مدى ثلاثة أيام. ومن المتوقع أن يشارك في هذا المنتدى ثمانون رئيس دولة، إضافة إلى رؤساء أبرز المنظمات الدولية (منظمة الأمم المتحدة، منظمة التجارة العالمية، منظمة اليونيسكو، المفوضية السامية للاجئين، منظمة الصحة العالمية، إلخ.). كما ينتظر أن يشارك فيه أيضا المجتمعُ المدني ممثلاً بزعماء العالم الاقتصادي وممثلي المنظمات غير الحكومية.
وتمثل ذكرى مرور مئة سنة على نهاية الحرب العالمية الأولى المناسبةَ التي دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القيام بهذه المبادرة، ولكن الفكرة لا تكمن في إحياء التاريخ فقط، ولكن أيضاً في مواجهة الحاضر والمستقبل. كما يشكّل هذا الحدث أيضا مناسبةً للتفكير في الأسباب التي قضت على آمال السلام بعد الحرب العالمية الأولى وكذلك أسباب أزمة النظام الدولي الحالية من أجل تجنب تحولها إلى مواجهة واسعة وعامة.
ولعله من نافلة القول إن تعددية الأطراف باتت في أزمة عميقة اليوم. ذلك أن منظمة الأمم المتحدة تكافح حالياً من أجل حل نزاعات عنيفة وطويلة – حتى لا نقول إنها باتت عاجزة عن حلها: من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى الحرب الأهلية في سوريا، مروراً ببؤر توتر أخرى متعددة. ونظراً للانسحاب الأميركي، بات اتفاق باريس للمناخ محل شك على الرغم من أن كل اللاعبين الآخرين يقرّون بأن الاحترار المناخي يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لمستقبل البشرية. وإضافة إلى ذلك، فإن تهديدات الحرب التجارية لم تعد تثير قلق الكثير من المسؤولين السياسيين فحسب، وإنما اللاعبين الاقتصاديين الكبار أيضا. بل بوسع المرء أن يتساءل بشأن ما إن كان من الممكن اليوم إنشاء بعض المنظمات الدولية الكبيرة – لو أنها لم تكن موجودة بعد: والواقع أن مجرد طرح هذا السؤال يعني أن جوابه بالسلب للأسف. كما تُطرح أيضا مسألة معرفة كيف سيتم تقنين وتنظيم قطاعات مختلفة، أصبحت مؤخراً فضاءات عالمية، مثل الفضاء أو الإنترنت.
ولكن هل يمكن أن تُطرح مشكلة غياب قواعد مشتركة ومتفق عليها؟ هذا الأمر سيرقى في الحقيقة إلى اعتراف بقانون الأقوى، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر رؤية بعض اللاعبين غير القانونيين يتولون إدارة الأمور والتحكم فيها. وعليه، فهل سيكون ثمة تقنين مشترك؟ الرئيس الفرنسي ظهر مرة أخرى بمظهر المدافع عن تعددية الأطراف خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي باتت فيه هذه الأخيرة محل تشكيك متزايد من قبل البعض. ويهدف منتدى باريس، المدعو لأن يصبح موعداً منتظماً، إلى إبراز إيجابيات تعددية الأطراف، عبر تأكيده أن هذه الأخيرة لا تمثل مشكلة وإنما هي حل. وعلاوة على الجوانب الرسمية والبروتوكولية، من المنتظر أن تُعقد ندوات ونقاشات مختلفة ستشهد دون شك اقتراح عدد من الحلول الملموسة. كما أنه يمثل فرصة بالنسبة لفرنسا لإظهار قدرتها على تنظيم موعد دولي في مجال مناقشة الأفكار. وإذا كانت توجد منتديات عديدة من هذا النوع في العالم، فإن هذه هي المرة الأولى التي تنظم فيها فرنسا حدثا مماثلا.
وفضلا عن ذلك، فإن إيمانويل ماكرون يرغب بدون شك في ملء فراغ دولي مهجور. ذلك أن الولايات المتحدة باتت ترفض تعددية الأطراف، وروسيا تعرقلها، والصين تحاول الالتفاف عليها. أما في أوروبا، فإن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي منشغلة بشجون البريكسيت، بينما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منشغلة بشؤون السياسة الداخلية. غير أن إيمانويل ماكرون ما زال لم يتخذ بعد التدابير التي وعد بها أو التي كان يأملها في البداية. ذلك أن إقلاع أوروبا معطل. كما أنه على الرغم من علاقاتهما الشخصية الجيدة، إلا أنه لم يتمكن من إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمزايا تعددية الأطراف وإيجابياتها: وإذا كان ماكرون قد تحاشى ذكر اسم الرئيس الأميركي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلأن هذا الأخير اتخذ جملة من المواقف المناوئة كليا لمواقفه في الآونة الأخيرة.
والحاصل أن تعددية الأطراف، في هذا العالم المعولم، ليست اختياراً ولا خياراً ممكناً، وإنما ضرورة ملحة. ولاشك أن منتدى باريس لن يقدّم أي حل فوري للمشاكل العالمية التي ينبغي على الإنسانية مواجهتها. ولكنه إذا تمكن من تسريع الوعي بالحاجة إلى تعاون اللاعبين الدوليين المختلفين وعملهم معاً، فلا شك أن تنظيمه لن يكون عديم الفائدة.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس