مرت 45 عاماً منذ شهد جيلي، وهو في خنادق القتال على ضفة قناة السويس في أكتوبر 1973، بشائر ربيع عربي أنبتت زهوره أيادي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وستظل أجيالنا تتذكر ذلك الربيع الذي انبثق محملاً بالضياء، خارجاً من ظلمة هزيمة يونيو 1967.. ربيعاً عربياً جاء بسواعد وبدماء شباب عرب، جاء بحزم الزعامة والشهامة لدى قائدين عربيين عظيمين.. ربيع جاء من دون شعارات ولا هتافات.. نسغه الإيمان بوحدة العرب هدفاً ومصيراً.
كنا جيلاً شاباً عندما راحت ورود ذلك الربيع العربي تتفتح حولنا في خنادق الفداء، وسط روائح البارود والدخان، لتشعرنا بأننا لسنا في الخنادق وحدنا، وأننا لا نواجه الغزاة المحتلين للأرض العربية بمفردنا، وبأن لنا أهلاً يهتمون بمصيرنا ويعملون على انتصارنا.
ولكم أن تتصوروا كم حفزتنا على الصمود في أصعب الأوقات مواقف زايد وفيصل، وكم آنستنا طلعاتهما البشوشة وأصواتهما الدافئة، في وحشة الليل ونحن تحت قصف الأعداء، وكم رفعا من معنويات المحاربين عندما تشتد محن القتال فتأتي ورود ذلك الربيع العربي لتذكّرنا بأن لمصر عمقاً عربياً، جذوره راسخة في الأرض، وفروعه في السماء.
كمقاتل مصري حارب تحت راية زايد وفيصل، أريد أن أنقش صورتهما على كل الجدران في كل البيوت، من المحيط إلى الخليج. واليوم أكتب لهما وعنهما، وبالأمس كتبت عنهما في مصر، لأجيالها الجديدة: «لن ننساك أيها الشيخ العظيم زايد بن سلطان آل نهيان، صاحب مقولة: وما النفط العربي بأغلى من الدم العربي. لن ننساك وأنت القائد الذي حوّل مقر إقامته في لندن إلى غرفة عمليات لمساندة الجيشين العربيين، ولن ننساك وأنت تيسر لمصر وسوريا الحصول على السلاح، ولن تنساك الأجيال وأنت تسارع إلى شراء جميع المستشفيات الميدانية التي تنتجها المصانع الأوروبية لترسلها على وجه السرعة إلى الميدان، ولن ننسى وقفتك يوم اندلاع القتال بإرسال مائة مليون دولار لدعم النفقات المصرية اليومية على الحرب، إضافة إلى سلسلة عطاء طويلة سبق وقدمتها. أيها الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز آل سعود، الذي شرّفت باسمك جميع من حملوا يوماً في التاريخ لقب الملك.. لن تنساك أمتك ولن يشحب أمام العيون يوماً، عطاءُ أياديك الناصعة بالمدد والسلاح والعتاد، ولن يخفت ضياءُ إرادتك الصلبة في تحضير الجيشين المصري والسوري ليوم الفداء. لن ينسى عربيٌ يوماً أنك كنت هناك في منبت العروبة ومهبط الوحي بطلاً محارباً بلقب ملك، شاهراً حسامك، وقائداً من دون تردد لأشقائك لفتح جبهة قتال جديدة لم يسبق أن فتحت على مر تاريخ الحروب، وهي جبهة حرب معاقبة أميركا بقطع النفط، جزاءً لها على انحيازها للغزاة الإسرائيليين في المعركة العسكرية. أما تفاصيل عطائك الغزير بالمال والسلاح فهي في سجل لا يناله النسيان».
تلك كانت السطور التي كتبتها في صحيفة مصرية عن الزعيمين بالأمس فقط، لأنبه أجيال المصريين إلى أن الربيع العربي الحقيقي والوحيد الذي شهده جيلي كان ربيع العروبة المتماسكة والأقطار العربية المتراصة، حيث امتزاج الدم العربي بالمال العربي وبالنفط العربي، وكان فوق هذا وذاك ربيع الإرادة الواحدة الصلبة لصد الأعداء. نعم بالإرادة الصلبة للشيخ زايد والملك فيصل، وبإيمانهما العميق بالعروبة، شهدنا في أكتوبر 1973 ربيعاً يعاند الظلمات ويقهر غيوم الخريف، ويسطع برقاً حارقاً لعيون الأعداء الطامعين في الأرض العربية، وينبلج ضياءً منيراً للمقاتلين العرب في الميدان. كان ربيع العروبة بحق.