نجح منتدى الجوائز العربية الذي دعت إليه جائزة الملك فيصل الذي عقد مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض، وضم مسؤولي الجوائز وممثلين عنها، في إثارة الكثير من المواضيع والقضايا التي تشغل بال المتابعين للجوائز، كتاباً ومبدعين ونقاداً وإعلاميين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد فتح المنتدى الباب واسعاً للأسئلة والاستفسارات والانتقادات والملاحظات والتعليقات التي ووجه بها مسؤولو الجوائز الذين تحلى بعضهم بقدر من الصراحة، فاعترف بما يعتري بعض هذه الجوائز من مشكلات.
مبادرة جائزة الملك فيصل تستحق الثناء، بل تستحق البناء عليها، ذلك أن أفضل طريقة لتحقيق «الرؤى المستقبلية» هو تداول أصحاب الخبرة في طرح الأفكار المختلفة المكمل بعضها لبعضها الآخر، وهذا هو الإنجاز الثاني لمبادرة الأمين العام لجائزة الملك فيصل الدكتور عبدالعزيز السبيّل، إذ إن لقاء المنتدى –ولأول مرة– بحد ذاته إنجاز أول. وعلى درب الإنجاز الثالث، جاءت مأسسة هذه المبادرة من خلال إدامتها، وتثبيتها بوصفها «سنّة حسنة»، وبالتالي تكرارها.
مبادرة جائزة الملك فيصل لمناقشة المعايير وآليات عمل الجوائز العربية والقواسم المشتركة بينها وأوجه الاختلاف، بهدف تبادل الخبرات والتجارب وإيجاد سبل لمواجهة التحديات، أفضت إلى لم شمل الجوائز العربية بحيث يصبح المنتدى دائماً، وهو ما أعلن عنه دينامو المنتدى الدكتور عبدالعزيز السبيّل حين أعلن عن موافقة المشاركين على تأسيس «منتدى الجوائز العربية» يكون مقره في جائزة الملك فيصل، وأن تكون الجوائز الممثلة في الاجتماع هي الأعضاء المؤسسين للمنتدى، وأن يكون الاجتماع دورياً، مع تكوين مجلس تنفيذي، وتأسيس بوابة إلكترونية للجوائز العربية، والعمل على تبادل المعلومات بين الجوائز التي تعزز العمل الثقافي العربي المشترك وتحفيز المبدعين والمفكرين من أبناء الأمة العربية. وحتى نعزي الفضل لأهل الفضل، لا بد من الإشارة للدور البارز للدكتور السبيّل، دون أن ننسى فريقه العامل المتميز في إدارة وإنجاح المنتدى. وامتناننا، وامتناني الشخصي أيضاً، يذهب للدكتور السبيّل الذي أكد أن فلسطين لا ينافسها أحد، وستكون عضواً دائماً في المكتب التنفيذي بعد أن كانت وفود قد بادرت –مشكورة- بالانسحاب أمام فلسطين، فتم انتخاب «جوائر فلسطين الثقافية» في «مؤسسة فلسطين الدولية» عضواً دائماً في المكتب التنفيذي لمنتدى الجوائز العربية.
والآن، بات من أولى مهامنا التعرف على بعضنا البعض، وعلى نحو أوثق، كما أنه علينا أن نتعرف على جوائزنا العربية عن كثب. وكنت في كلمتي قد اعترفت بالقصور: فإنني باستثناء جائزة هنا وجائزة هناك، اعترفت بنقص معلوماتي عن عديد الجوائز العربية. لذا، أتاح لي المنتدى، وبالتأكيد لكثيرين غيري، الفرصة لمعرفتها عن قرب.
نحن في العالم العربي لم ننجح بعد في تحقيق وحدتنا السياسية، ولا يبدو لي أننا قريبون من تحقيق ذاك الحلم. لكني أرى أننا سنكون أقرب، إنْ نحن جعلنا المدخل الثقافي بديلاً، ولو مؤقتاً، للمدخل السياسي. فالثقافة تجمع ولا تفرِّق، تصون ولا تبدد. ثم هي الباب الذي نعبر منه جميعاً إلى التوحيد السياسي المأمول والمنشود. إننا نعاني من واقع تجزئة وعينا الثقافي وليس من التجزئة السياسية فحسب. فلم لا تكمل الجوائز بعضها البعض! إذا كان الساسة والنخب والطبقات السياسية في العالم العربي قد فشلوا في إزالة الحواجز والحدود الوهمية بين شعوب شقيقة، تاريخها ومستقبلها مشتركين، فإن من واجب المثقفين والنخب الثقافية، أن يأخذوا –دوماً- المبادرة لتقوية أواصر الاتصال والترابط بين الشعوب العربية الشقيقة. ولو أتحنا للثقافة أن تلعب دورها كاملاً لتمكنا من حل مشاكل كثيرة، ومنها مشاكل سياسية، فالثقافة هي التي تقود الحياة وتوحد الوجدان، فإذا توحد الوجدان توحدت المجتمعات.
الثقافة في الوقت الحاضر تفهم بشكل أكثر اتساعاً مما كان عليه مفهومها سابقاً، فهي تهدف إلى تناول الإنسان بكليته جسداً وروحاً وعقلاً ووجداناً. ويشكل هذا المفهوم عاملاً قوياً في العلاقات الدولية يتمثل في إعلان الحق بالثقافة، والحق في المبادلات الثقافية. لذا، سيظل اجتماع المنتدى التأسيسي هذا، وما نجم عنه من مأسسة، حاضراً في أذهان من يهتمون بضرورة العمل الثقافي المشترك بين مكونات العالم العربي، فوحدهما -الفكر والثقافة- ما زالا قادرين على جمع العرب، كل العرب، بسلام وحب واحترام للحوار وتبادل للرأي.