كانت نتائج الانتخابات في ولاية بافاريا الألمانية، يوم الأحد الماضي الموافق الرابع عشر من أكتوبر الجاري، بمثابة نبأ غير سار بالنسبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وائتلافها الهش، ذلك أن أداء الحزبين اللذين يبقيانها في السلطة كان هزيلاً جداً. فحزبها «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، الذي هيمن على الساحة السياسية البافارية منذ خمسينيات القرن الماضي، سجّل أسوأ أداء له على الإطلاق، بينما شهد حزب «الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي» تراجع نسبة التصويت له بأكثر من 10 في المئة. وأحد أسباب ذلك هو الاستياء في الولاية المزدهرة من تداعيات موجة المهاجرين غير الشرعيين الذين تدفقوا إلى أوروبا من دول الشرق الأوسط وأفريقيا بمئات الآلاف، بداية من عام 2015، ولم تتراجع وتيرة هجرتهم سوى مؤخراً. وقد كانت سياسة الأذرع المفتوحة للمهاجرين التي انتهجتها ميركل ورغبتها في قبول مئات الآلاف منهم، خصوصاً من سوريا وأفغانستان والعراق، قد أججت ردود فعل غاضبة في أرجاء أوروبا، ثم في ألمانيا نفسها. وأدى ذلك إلى تراجع ميركل عن موقفها الليبرالي المبكر، وقبلت على مضض أن أفكارها المبدئية كانت غير مقبولة لمعظم المواطنين الأوروبيين.
وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي عارضت بقوة نهج ميركل المبدئي هي المجر وبولندا والنمسا وجمهورية التشيك. لكن هناك أيضاً استياء متزايد لدى الأحزاب السياسية اليمينية في كل من فرنسا وهولندا والسويد وسويسرا ودول البلقان، بشأن التهديد الاقتصادي والثقافي الذي تمثله الهجرة من دول الشرق الأوسط وأفريقيا.
وانعكس ذلك الاستياء في نتائج الانتخابات والخطوات العملية التي اتخذت من أجل جعل الوصول إلى أوروبا أشد صعوبةً عن طريق الأسوار والحواجز والدوريات البحرية والاتفاقات مع دول مثل تركيا من أجل الحيلولة دون رحيل المهاجرين عبر شواطئها. وبالطبع، تُكلف هذه الجهود أموالاً طائلة، وتعتقد الدول في جنوب أوروبا أنه لابد من تقاسم هذه التكاليف. وهناك خطط مستقبلية لاستخدام وسائل تكنولوجية أشد انضباطاً، يُطلق عليها اسم «نظام دخول وخروج الحدود الذكي» لإدارة معلومات الزائرين ولتعقب تحركات الأشخاص. والهدف النهائي من تطبيق نظام أمني أفضل هو الحفاظ على مفهوم «الحدود المفتوحة» الذي يعود إلى اتفاقية «شينجن» المبرمة في عام 1985 والتي تم تطبيقها في عام 1995، والتي تسمح بالسفر في أرجاء معظم دول غرب أوروبا من دون جواز سفر.
وتشكل كل من بريطانيا وجمهورية أيرلندا، باعتبارهما الدولتين الوحيدتين في الاتحاد الأوروبي، واللتين يفصلهما البحر عن الأراضي الأوروبية الرئيسة، مجموعة مختلفة من المشكلات، خصوصاً منذ استفتاء عام 2016 في بريطانيا الذي دعا إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي «بريكست». ولعل أحد أقوى دوافع الناخبين الذين أيدوا «بريكست» كان اعتقاد كثير منهم، خصوصاً في إنجلترا وويلز، أن «الأجانب» كانوا يأتون بصورة قانونية من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ويحصلون على وظائف العمال البريطانيين في بلدهم. أضف إلى ذلك سيل المهاجرين غير الشرعيين القادمين من كل أرجاء العالم، والساعين إلى دخول بريطانيا، إيماناً منهم بأن الامتيازات الاجتماعية فيها هي الأفضل على المستوى الأوروبي كله. ومن السهل معرفة كيف كان غضب المواطنين العاديين هناك.
ومن أصعب المشكلات التي نشأت في المحادثات بشأن «بريكست» بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ما يتعلق بمستقبل الحدود بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية التي تعتبر جزءاً من المملكة المتحدة. وقد كانت الحدود مفتوحة منذ عام 1993، لكن من الممكن إغلاقها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في غضون الأشهر القليلة المقبلة. وسيوجه ذلك ضربة أخرى إلى مفهوم «أوروبا المفتوحة»، وسيزيد الضغوط في الدول الأوروبية الأخرى من أجل فرض قيود جديدة على قواعد الدخول إليها.
وينعكس معظم الجدل في أوروبا على التصريحات التي استخدمتها إدارة ترامب للتعظيم من تهديد الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. وما لا ترغب كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا في مواجهته هو أن اقتصاداتها تنمو وكذلك أعمار سكانها، والحاجة إلى العمالة المهاجرة أضحت أكثر أهمية لشغل الوظائف في قطاعات الإنشاءات والرعاية الصحية وأعمال النظافة. وحتى اليابان، التي تعد من أقل دول العالم انفتاحاً على الهجرة والمهاجرين، أقرّت بحاجتها إلى مزيد من العمالة الأجنبية. وعلى الرغم من ذلك، كما هو الحال عادة، تغلب العاطفة والنزعة القومية في كثير من الأحيان على المنطق والاقتصاد. وهذا ما أصبح تحدياً عالمياً تعتبر أوروبا خير مثال عليه.