مرّ عامان تقريباً قبل أن يقول الرئيس دونالد ترامب أخيراً شيئاً غير إيجابي عن وزير الدفاع جيمس ماتيس. والواقع أن الشائعات حول استياء الرئيس من ماتيس تعود إلى عدة أشهر خلت، غير أن ترامب لم يعبّر عن ذلك إلا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي حين قال لبرنامج «60 دقيقة» إنه يعتقد أن الجنرال ذا الأربعة نجوم «هو ديمقراطي نوعاً ما».
وفي واشنطن في عهد ترامب، يُعتبر هذا التصريح بمثابة «قبلة الموت». وبالتالي، فإنه من المفيد طرح السؤال بشأن الأسباب التي تجعل ترامب يعتقد أن وزيره في الدفاع من الفريق الآخر.
الواقع أنه منذ بداية رئاسة ترامب، كانت معظم واشنطن تنظر إلى «ماتيس» باعتباره نوعاً من الحاجز أو المصد الوقائي. وعندما أشار فريق ترامب الانتقالي إلى اسمه في نوفمبر 2016، كان ثمة شعور ملموس بالارتياح في منتدى للأمن القومي حضرتُه وقتئذ؛ حيث أشاد مشرّعون «ديمقراطيون» و«جمهوريون» بالاختيار.
وقد كان من السهل فهم أسباب ذلك. فـ«ماتيس» كان عسكرياً محترفاً يحظى بالتقدير والاحترام. وقد أوضح أنه يعتقد أن إيران ما زالت في حاجة إلى أن تُردع، وأن أميركا لا ينبغي أن تخوض حروباً إلا إذا كان الشعب الأميركي مستعداً للالتزام بالموارد اللازمة للفوز فيها. وكان قد خصّص الكثير من وقته لدراسة تحول الجنود إلى الحياة المدنية، وكان يعتقد أن الخدمة الوطنية ينبغي ألا تكون مسألة تحيز حزبي.
وبالتالي، فليس مفاجئاً أن يكون «ماتيس» سعى إلى تشكيل فريق من الحزبين في البنتاجون. ولعل أبرز مثال على ذلك هو محاولة استقطابه لميشيل فلورنوي، التي من شبه المؤكد أنها كانت ستكون وزيرة الدفاع لو فازت هيلاري كلينتون، لتكون نائبة له. في النهاية اعتذرت فلورنوي – ولكن أنصار ترامب لاحظوا محاولة الاستقطاب. ومثلما قال لي مسؤول من البيت الأبيض وقتئذ، فإن ترامب لم يفهم لماذا قد يرغب «ماتيس» في تعيين شخص مقرب جداً من كلينتون.
«ماتيس» اصطدم مع البيت الأبيض حول مناصب مهمة أخرى أيضاً. ففي بعض الحالات، كان يريد جلب أشخاص «جمهوريين» لتنفيذ سياسة الدفاع كانوا قد وقّعوا رسائل في 2016 تندد بترامب. ولكن البيت الأبيض أوضح جيداً أن أولئك الأشخاص لا مكان لهم في الإدارة. أما العامل الآخر في عدم ثقة ترامب في «ماتيس»، فهو السياسات. فترامب خاض حملته الانتخابية معارضاً الاتفاق النووي الإيراني حتى قبل أن يصبح رئيساً. والحال أن «ماتيس» كان يوصي بعدم الانسحاب من الاتفاق ودعم استراتيجية مستشار الأمن القومي وقتئذ إتش. آر. ماكماستر لإصلاح الاتفاقية، وليس التخلي عنها.
سُمعة «ماتيس» باعتباره أحد المسؤولين المتعقلين والمتزنين معروفة: فقد كان صوتاً بارزاً سعى لتهدئة الحلفاء في «الناتو». وكان أحدَ الأشخاص الذين أقنعوا ترامب بتبني استراتيجية الإبقاء على الجنود في أفغانستان للقتال نيابة عن الحكومة المنتخَبة في كابول.
والحق أنه ليس من غير المألوف أن تكون ثمة اختلافات في الرأي بين رئيس وأعضاء إدارته. غير أنه كان يبدو أحياناً كما لو أن «ماتيس» كان يسيّر الرئيس بقدر تسييره للبنتاجون. وفي كتاب «بوب وودورد» الأخير، على سبيل المثال، يكتب المؤلف أن «ماتيس» لم يقدّم لترامب خيارات قوية بشأن ضربة عسكرية في سوريا في 2017، بعد أن خلصت الولايات المتحدة إلى أن النظام قد أمر بهجوم بالأسلحة الكيماوية. ذلك أن «ماتيس» والبنتاجون «كانا يريدان الإبقاء على الهجوم ضيقاً ومركزاً قدر الإمكان»، كما يقول «وودورد». ولكن بعد صدور الكتاب، نفى «ماتيس» أن يكون قد شكك في صحة ترامب العقلية، كما طعن في تفاصيل أخرى تضمنها.
ووقتئذ، عبّر ترامب علناً عن إعجابه بتصريحات ماتيس. ولكن الآن يقول إنه لا يعرف ما إن كان هذا الأخير سيبقى في إدارته. ويمكن القول هنا إن ترامب يبدو، من بعض النواحي، مثل المسؤولين في الإدارة السابقة الذين كانوا يرون أن ماتيس جد شرس بشأن إيران. فانتهى الأمر بالرئيس باراك أوباما إلى طرد ماتيس من منصبه كرئيس للقيادة المركزية الأميركية.
وبالطبع، فإن ترامب لا يقوم سوى بممارسة صلاحياته في تعيين وزير دفاع يقوم بتطبيق سياساته بقدر أكبر من الهمة والحماس. ولكن يجدر بترامب أيضاً أن يدرك أن الرجل الذي يشغل المنصب حالياً واحد من الشخصيات العامة القليلة في أميركا التي تحظى بثقة كلا الحزبين. وقد يجد ترامب ذلك مثيراً للغضب، إلا أنه سيفيده بكل تأكيد في الأزمة المقبلة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»