لم يجانب الصواب من وصف «الجزيرة» بأنها قناة لديها دولة، فالدولة القطرية لم تكن تملك حضوراً قبل أن يحوّلها حمد بن خليفة إلى قناة فضائية على حساب الشعب القطري المغلوب على أمره.
ورغم أن القناة التي لديها دولة تؤثر إعلامياً أكثر من قنوات مملوكة لدول أخرى، فثمة عوامل في اعتقادي ساهمت في شطارة الإعلام القطري على المستوى العربي، غير العوامل المشتركة بين قطر وغيرها من دول في سعي الجميع لبناء إعلام قوي ضارب.. وبطريقة أخرى: لِمَ استطاعت قطر بالذات إثارة الشارع العربي عبر قناة فضائية؟
في اعتقادي، كمتابع، أن هناك خمسة عوامل لذلك، الأول هو التمويه على مرجعية «الجزيرة» منذ اليوم الأول، فقد نجحت في التضليل عبر الادعاء المستمر بأنها كيان مستقل موجود في قطر، وهذا منحها قوةَ تأثير أكبر من أي إعلام يعرف المتلقي، ومنذ الوهلة الأولى، أنه رسمي.
أما العامل الثاني، فهو بناء شبكة من القنوات والصحف والمواقع خارج قطر تخدم «الجزيرة»، وقد عملت هذه الشبكة ولسنوات طويلة في اتجاهين، الأول تدوير ما تطرحه «الجزيرة»، والثاني تقديم خدمة غسيل الأخبار لـ«الجزيرة»، فهي تتبنى ما يُطرح في الشبكة الأم، وهكذا يطغى صوت «الجزيرة»، والشبكة الأم تنسب أخبارها ورواياتها لتلك الشبكات، بافتراض أنها ليست قطرية.
والعامل الثالث في شطارة «الجزيرة»، هو أسلوب الطرح الإعلامي الذي يركّز على مهاجمة أي توجه أو سياسة أو مشروع يتعارض مع مصالح وأهداف النظام القطري، ومن دون الحاجة إلى ترويج الرأي القطري، فضرب التوجه نحو التسامح يعني ضمناً تشجيع الكراهية. وهكذا تضرب من جهة، ولا تكشف دافعها للضرب من جهة أخرى، إذ بمجرد معرفة الدافع تفقد الضربةُ قوتها.
والعامل الرابع في اعتقادي هو أن قطر استخدمت «الجزيرة» كسلاح للنيل من خصومها من الدول العربية، مستفيدةً من ترهّل الإعلام العربي الرسمي وأدائه غير المقنع، بمعنى أنه إذا قررت قطر مهاجمة دولة ما، وكان إعلامها يتجنب الخوض في قضية داخلية مصيرية، مثلاً توريث الحكم، تأتي «الجزيرة» لتغطي هذا الفراغ بما تشاء. وما ساهم أيضاً في فعالية هذا السلاح أن قطر دولة صغيرة وغنية ذات قضايا داخلية عادية.
والعامل الخامس هو نوعية قضايا «الجزيرة» وطريقة معالجتها، وهذا العامل يتجلى باختصار في مقولة «ما يطلبه المشاهدون»، أي مجاراة الشارع العربي الذي هو في مجمله غاضب وناقم ومحبط، ينام على شعار المظلومية، ويصحو على نظرية المؤامرة، متعلق بالماضي كاره للحاضر خائف من المستقبل.
ولحسن الحظ أن حدثين كبيرين، أعني «الربيع العربي» والمقاطعة العربية التي فرضت على النظام القطري، ساهما في إظهار «الجزيرة» بشكل واضح وصريح كمؤسسة للحكم القطري، وفي إثبات حقيقة الشبكات الإعلامية الخادمة خارج قطر، وأنها مجرد «جزيرة» مصغّرة.
لم يكن الإعلام القطري ناجحاً في لحظة ما، فالناجح من يفوز بالتوفيق والسّداد، بينما استطاعت قطر التأثير إعلامياً باللؤم والدهاء، وهو شأن الشطّار واللصوص. وهذه الشطارة تحتاج إلى وقت لتصبح خسارة فادحة، لأننا في نهاية الأمر نتحدث عن دولة مملوكة لقناة، وليس عن قناة مملوكة لدولة.