عندما نتطلع في «صورة الإمارات في الإعلام»، التي بحثها أمس المنتدى السنوي لصحيفة «الاتحاد» في أبوظبي، نكتشف مشهداً يفوق الخيال. فالثورة العلمية التكنولوجية العالمية مَكّنَت دولة الإمارات العربية المتحدة من أن تصبح بعد عقود قليلة من تأسيسها عام 1971 إحدى أكبر منتجي النفط، وتحلية مياه البحر في العالم، وأكبر دول المنطقة في التجارة الإلكترونية. والآن «الإمارات أول دولة في المنطقة تضع استراتيجية للذكاء الاصطناعي، وأول دولة في العالم تؤسس وزارة للذكاء الاصطناعي». قالت ذلك «نيويورك تايمز» في تقريرها الأسبوع الماضي، وأرفقته بصورة شرطي آلي «روبوت» يسير مع مجموعة شرطة إماراتيين بشر رافعاً يده بالتحية.
والذكاء الاصطناعي ليس مجرد كائنات آلية «روبوتات» تسلينا وتخدمنا، وهي تفعل ذلك بشكل جميل، بل كوكبة تكنولوجيات، ومكائن تتعلم اللغة الطبيعية، وتَتَحسّسُ، وتدرك. ولم يتوقف الذكاء الاصطناعي عن التطور منذ ابتكر ثلاثة علماء أخوة اشتهروا باسم «بنو موسى» في بغداد في القرن التاسع الميلادي «روبوتات» على شكل ثور يشرب الماء، ويضخه إلى الأعلى، ورافعات تلتقط المحار من قيعان الأنهار، وصمّامات، وأجهزة موسيقية، ولُعب ودُمى، وغيرها من معدات ذاتية الحركة تعمل بقوة الماء، أو الهواء، أو بقوتها الذاتية الآلية، وكثير منها ذكره «بنو موسى» في «كتاب الحيَل» المترجم إلى لغات عالمية عدة. وعندما نشاهد أطفالنا يتعاملون بذكاء تلقائي مع أجهزة الكومبيوتر، والاتصالات، والكائنات الآلية «الروبوتات»، بل يبتكرونها، ندرك أن أجيالنا القادمة ستحقق خلال بضعة أعوام تقدماً يعادل بضعة قرون.
وأول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم «عمر سلطان العلماء»، وهو شاب إماراتي لقبه «العلماء»، حسب «نيويورك تايمز»، التي عرضت موقع وزارته على الإنترنت، واجتماع «مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية». حضر الاجتماع قادة شركات عالمية متخصصة، بينهم رئيس «ألغوريثما»، و«أوداسيتي»، و«سيكيور نيتوورك»، والعالِمُ العربي «منير نايفه» أستاذ الفيزياء في جامعة «إلينوي» بالولايات المتحدة (وقبل ذلك هو ابن مزارع في طولكرم بفلسطين). حرّكَ «نايفه» لأول مرة في التاريخ الذرات التي يتكون منها كل شيء في الكون، وبالذرات تُصمم «روبوتات» مجهرية تدخل شرايين الجسم، وتسري مع مجرى الدم إلى القلب أو الدماغ لإزالة خثرة، أو لإصلاح أوردة تالفة.
وتَحدثُ الآن في الإمارات القفزة التي توّقعها بحثي «رقمنة وعولمة الإعلام العربي» المنشور عام 1998 في كتاب «قمة أبوظبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على مشارف القرن الحادي والعشرين»، وتناولتُ فيه تغيرات فائقة السرعة تحدثها التقنية الرقمية في الإعلام العربي، وقلتُ إنها «افتتاحية سمفونية ستهز البيئة الإعلامية العربية في السنوات القليلة القادمة». وكالذرات، تتكون المادة الإعلامية من «بَتات»، وهي تواتر عددي «واحد» و«صفر» تسري عبر أجهزة الحاسوب والاتصالات. ولن يستطيع الإعلام العربي تجاوز صدمة المستقبل، إلاّ عندما يفكر ويدير جميع أنواع الإعلام كمعطيات متعددة الوسائط، تتكون من «بَتات».
هل تحقق ذلك «أبوظبي للإعلام» التي أطلقت مؤخراً منصة «محتوى» الرقمية التفاعلية، متعددة الوسائط؛ بالكلمات، والصور، والفيديو، لتلبية مختلف الأذواق والاهتمامات، الشابة خصوصاً؟.. و«أبوظبي للإعلام» شركة عامة كبيرة الطموح، تواكب التحول نحو المجالات الرقمية، و«تُطبق أحدث التقنيات العالمية لإثراء المحتوى العربي في العالم الرقمي، وتدعم شبكات التواصل الاجتماعي لإطلاق حالة من النقاش الإيجابي في المجتمع المحلي والعربي، وتقدم محتوى شبابياً متنوعاً يغطي جميع الاهتمامات، ويُبرز المواهب».‏ والمحتوى الذي تخطط له زاخر بالعلوم والاختراعات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي خصوصاً، ويحتفي بثقافة وفنون وتراث المجتمعات العربية والإنسانية، ويغطي الشؤون المحلية والعالمية، والقضايا السياسة، والأحداث الراهنة، وجذورها التاريخية، إضافة إلى الرياضة بمختلف أنواعها، بما فيها التمارين البدنية للصحة والقوة، والتعليم، والجمال. في الإمارات إذن، اطلبوا العلم تجدوه.