أخيراً بدأت الجهود السياسية التي يقوم بها العرب مع إدارة ترامب لضمان أن تكون القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية تعطي بشائرها. لقد أوضحت التقارير الصحفية الإسرائيلية أن هناك مخاوف بدأت تساور نتنياهو ووزراء حكومته من وقوع تحول في صفقة القرن التي يجهزها ترامب ينتهي إلى تقسيم القدس لتصبح عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية وليس لإسرائيل فقط.
لقد نشأت هذه المخاوف بعد أن تبين أن الرئيس ترامب تصرف بعيداً عن صهره جاريد كوشنير وعن جرينبلات مبعوثه للسلام حيث قام سراً بتكليف أحد أصدقائه من رجال الأعمال الأميركيين، وهو رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، واسمه رون لودار، بالتوجه إلى رام الله والعمل على إقناع السلطة الفلسطينية بأن صفقة القرن ستحمل مفاجآت سارة للشعب الفلسطيني في مقدمتها معالجة مشكلة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وذلك باعتمادها كعاصمة للدولتين. التقارير الصحفية تشير إلى أن رجل الأعمال المقرب من ترامب حالياً وكان على علاقة وثيقة مع نتنياهو من قبل، عقد اجتماعات مطولة في رام الله أثناء هذا الأسبوع مع رئيس المخابرات الفلسطينية ومع صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، في محاولة لتليين موقف السلطة وتحضيرها لقبول العرض المعدَّل في صفقة القرن.
إن المخاوف الإسرائيلية من هذه الخطوة ظهرت جلية في التقارير الصحفية حيث قيل إن نتنياهو أبلغ إدارة ترامب بأن أي إعلان من هذا النوع يمكن أن يخلق له تعقيدات شديدة مع أحزاب اليمين المتحالفة معه، خصوصاً إذا صدر إعلان بهذا المعنى قبل إجراء الانتخابات المبكرة التي ينوي نتنياهو على الأرجح الدعوة إليها للهروب من الملاحقات القضائية التي تطارده بسبب قضايا الفساد المنسوبة إليه. والمعروف أن الموعد الأصلي للانتخابات هو نوفمبر 2019، لكن نتنياهو مع تزايد شعبيته حالياً يميل إلى الانتخابات المبكرة ليقطف ثمار شعبيته التي يعد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس أحد أهم ركائزها.
ومن ناحية ثانية بدأت تظهر تقارير بالصحف الإسرائيلية تتحدث عن أن لنتنياهو أصدقاء مهمين في واشنطن سيعمل على دفعهم لإقناع الرئيس الأميركي بعدم اتخاذ خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة للدولتين، وأنه سيحاول هو نفسه التأثير على ترامب في نفس الاتجاه، وإذا لم ينجح معه فسيطلب منه تأجيل إعلان اعترافه الجديد إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وعودة نتنياهو إلى مقاعد الحكم بشعبية أكبر.
وغني عن البيان أن وزراء الحكومة اليمينية الإسرائيلية اعتبروا اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل إشارة خضراء تسمح لهم بضم الضفة الغربية وتطبيق حل الدولة الواحدة الموسعة، مع تهميش وضع الفلسطينيين في إطار هذه الدولة، بمنحهم حكماً ذاتياً في إطار من نظام الفصل العنصري. هؤلاء الوزراء أُصيبوا بالفزع من الأخبار الجديدة، ومن الواضح أنهم سيدخلون في مشاورات محمومة لإيجاد مخرج يعيد إليهم أحلامهم في الدولة الواحدة، خصوصاً وأن التقارير تفيد بأن ترامب أصبح حريصاً جداً على ضرورة إرضاء الفلسطينيين والعرب ومصالحتهم بعد أن أغضبهم بقراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
وجدير بالذكر أنه مما يزيد غليان وزراء اليمين الإسرائيلي أن التقارير التي خرجت من رام الله عن اجتماعات «لودر» بالقادة الفلسطينيين تشير إلى ارتياح فلسطيني لهذه الوساطة وإحساس بأن صفقة القرن ستأتي متوازنةً وسارةً، خصوصاً أن خلاصة رسالة لودر للرئيس الفلسطيني هي: « عد للمفاوضات، صفقة القرن ستحمل لك مفاجآت أفضل مما تظن».
ويبقى أن ننتظر ونتابع التطورات آملين في صفقة سلام متوازنة تنهي الحروب والمعاناة.