تختتم اليوم في مدينة «جينيف» السويسرية، فعاليات المؤتمر الدولي الأولى عن تلوث الهواء والصحة، والذي أقيم بالتعاون بين العديد من المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة العامة ومجال البيئة الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وغيرها الكثير من الجهات والمؤسسات والمنظمات. وهو إن دل على شيء، فإنما يدل على الأهمية التي أصبح المجتمع الدولي يوليها للتأثيرات الصحية السلبية الناتجة عن تلوث الهواء، وهو ما تجسد أيضاً من خلال حضور وزراء الصحة والبيئة من العديد من دول العالم، بالإضافة إلى ممثلين عن نظم الرعاية الصحية، والجامعات والمراكز البحثية والأكاديمية، وعن مؤسسات المجتمع المدني بقطاعاتها المختلفة من نقل ومواصلات وطاقة وخلافه.
ويأتي هذه المؤتمر استجابة لقرار جمعية الصحة الدولية، باتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بمكافحة أحد أهم أسباب الوفيات المبكرة، حيث يقدر أن تلوث الهواء يتسبب في 7 ملايين وفاة مبكرة سنوياً. وتنتج هذه الوفيات بسبب أن مستويات التلوث في هواء الغالبية العظمى من المدن حول العالم، تتخطى وتزيد على الحدود القصوى المسموح بها، وفي المناطق الريفية والأحياء السكنية الفقيرة يعتبر تلوث الهواء داخل السكن والمنازل أحد أهم أسباب الوفيات في تلك المجتمعات.

وفي الوقت الذي يقدر فيه أن ثلث الوفيات الناتجة عن السكتة الدماغية وعن سرطان الرئة وأمراض القلب، هي نتيجة تلوث الهواء، تتوفر استراتيجيات منخفضة التكاليف يمكنها خفض الملوثات الرئيسية الناتجة عن قطاع النقل والمواصلات، وقطاع الطاقة، والزراعة، والنفايات، وقطاع السكن والمنازل. ويمكن أيضاً لهذه الاستراتيجيات المنطلقة من وعي وإدراك صحي، أن تبطئ من معدل التغير المناخي الحادث الآن، وأن تدعم أهداف التنمية المستدامة، على الصعيد الصحي، وفي قطاعي الطاقة والتخطيط العمراني.
ورغم أن تلوث الهواء يؤثر على جميع الفئات العمرية دون استثناء، فإن عبئه ووطأته ربما كانا أشد على الأطفال وصغار السن. حيث يقدر أن 93 في المئة من أطفال العالم دون سن الخامسة عشرة، أو ما يعادل 1.8 مليار طفل، يتنفسون هواء ملوثاً بدرجة تعرض صحتهم ونموهم وحياتهم لخطر داهم. وبالفعل، تقدر منظمة الصحة العالمية أن في عام 2016 وحده، لقي 600 ألف طفل حتفهم بسبب عدوى الجهاز التنفسي السفلي الناتجة عن الهواء الملوث.
هذه الحقيقة المؤسفة، وغيرها، تضمنها تقرير صدر عن المنظمة الدولية عشية المؤتمر الدولي الأول عن الصحة وتلوث الهواء، وحمل عنوان «تلوث الهواء وصحة الأطفال: وصفة هواء نقي»، وهو عنوان يتضمن استعارة من الوصفات الطبية التي يصفها الأطباء لمرضاهم، وإن كان في هذه الحالة الوصفة الطبية والعلاج هو: أنفاس تملأ الصدور من هواء نقي غير ملوث.
ويركز التقرير على العبء المرضي والثمن الإنساني الفادح لتلوث الهواء على الأطفال، بما في ذلك تلوث الهواء الخارجي، وتلوث الهواء داخل أماكن السكن والمعيشة، وخصوصاً في الدول الفقيرة والدول متوسطة الدخل. كما يظهر هذا التقرير أن النساء الحوامل، حين يتعرضن للهواء الملوث أثناء فترة حملهن، تزداد احتمالات تعرضهن للولادة المبكرة، ولولادة أطفال دون الحجم أو الوزن الطبيعيين. ويمكن أيضاً لتلوث الهواء أن يعيق النمو العصبي، والقدرات الإدراكية، وأن يكون عامل خطر خلف الإصابة بالأزمة الشُعبية أو الربو، والإصابة بالسرطان في سنوات الطفولة، كما تُظهر الدراسات الحديثة أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات مرتفعة من الهواء الملوث في سنوات عمرهم الأولى، يصبحون أكثر عرضة في المراحل اللاحقة من الحياة للإصابة بالأمراض المزمنة، وخصوصاً أمراض القلب والشرايين.
والخلاصة أن الهواء الملوث (يسمم) ملايين الأطفال سنوياً، ويعيق نمو أمخاخهم، ويؤثر سلباً على صحتهم بعدة طرق، لم نفهم جميعها بعد، رغم أن هناك العديد من السبل والإجراءات البسيطة والمباشرة التي يمكن لتفعيلها أن يخفض ملوثات الهواء، وخصوصاً الأنواع الخطرة منها. ويقع تفعيل هذه السبل والإجراءات على عاتق المجتمع ككل، بقطاعاته المختلفة؛ الصناعي، والصحي، والاقتصادي، والتشريعي أو السياسي، والمعول عليه وضع السياسات والقوانين والتشريعات الكفيلة بخفض التلوث من مصادره. وعلى المستوى الفردي، فيمكن للآباء خفض مصدر مهم للتلوث داخل المسكن وأماكن المعيشة من خلال الامتناع عن التدخين في المنزل، ومنع الضيوف والزوار أيضاً من التدخين داخل المنزل، أثناء الزيارات واللقاءات العائلية، وهو ما ينطبق أيضاً على التدخين داخل السيارة، خصوصاً أثناء وجود أطفال.