منذ 15عاماً، ينعقد في روسيا كل سنة «منتدى فالداي» الذي أسسه فلاديمير بوتين. وهو مناسبة يلتقي خلالها قرابة مئة صحفي وخبير جيوسياسي من أعلى المستويات ومن مختلف بقاع العالم من أجل تناقش القضايا الدولية مع نظرائهم الروس. وقد انعقدت النسخة الأخيرة من المنتدى في مدينة سوتشي الروسية يوم 18 أكتوبر 2018.
هذا التمرين في «القوة الناعمة» يشكّل نوعاً من الوزن المضاد لمنتديات النقاش المختلفة التي توجد في الولايات المتحدة، ولكنه يمثّل أيضاً مناسبة للاستماع بشكل مباشر، أو «من المصدر مباشرة» (حسب تعبير فلاديمير بوتين نفسه)، إلى وجهة نظر الرئيس الروسي. النسخة الأخيرة عُقدت أواخر شهر أكتوبر في مدينة «سوتشي»، وقد لبيتُ دعوة الحضور من جديد.
الرسالة الرئيسة التي جرى تداولها في نسخة هذه السنة كانت رسالة قلق عام بشأن حالة العالم وتدهور المناخ الدولي. غير أنه بالنسبة للروس الحاضرين في المنتدى، فإن العالم الغربي هو المسؤول عن هذا التدهور إلى حد كبير. والرسالة التي يرغبون في بعثها هي أنهم ليسوا منبهِرين ولن يستسلموا للضغوط، وأنهم سيحافظون على السياسة نفسها، ذلك أن فلاديمير بوتين لا يرى خياراً آخر إزاء الغربيين غير الصرامة، ويعتبر أنها تشكّل، إضافة إلى ذلك، أحدَ أسباب شعبيته داخل روسيا.
اللافت في هذه النسخة هو إشراك الروس في جلسات النقاش لمنتج أجبان محلي عبّر عن ارتياحه لكونه لم يعد مضطراً للخوف من منافسة المنتجات الأوروبية، معتبراً أن الحظر الغربي سمح لها بتطوير إنتاجه. والواقع أنه حتى في حال تم رفع العقوبات المفروضة على روسيا، إلا أنه سيكون من الصعب على من غادر البلاد استعادة حصص من السوق. وقد أراد فلاديمير بوتين إرسال رسالة قوية في وقت تناقَش فيه حالياً حزمة عقوبات جديدة في الولايات المتحدة مفادها أن هذه الأخيرة لن تغيّر فيه شيئاً البتة، ولا تضر بالاقتصاد الروسي. غير أنه لئن بدا هذا صحيحاً جزئياً، إلا أنه أبعد من أن يكون حقيقة عامة.
أما في ما يتعلق بسوريا وإيران، اللتين تعتبران نقطتي الخلاف الرئيستين مع الغربيين، فإنه لا فلاديمير بوتين ولا وزير خارجيته سيرجي لافروف بدا أنهما يرغبان في تغيير موقفهما. فالرئيس الروسي يعتبر أنه فاز في الحرب في سوريا، ولكنه يعوّل على الغربيين في إعادة إعمار البلاد. هذا في حين يرى الغربيون أنه لا يوجد أي حل سياسي ممكن طالما ظل بشار الأسد في السلطة. غير أن الحرب ليست مكلِّفة بالنسبة لروسيا، والروس تأقلموا مع الوضع الحالي على ما يبدو، إذ يسيطرون على بلد مدمَّر من دون أن يضطروا لدفع ثمن إعادة إعماره. وهذا يمكن أن يطيل أمد معاناة الشعب السوري.
ومن جهة أخرى، يبرر فلاديمير بوتين ضم شبه جزيرة القرم التي أُخذت من أوكرانيا بحقيقة أن الأمر يتعلق بأرض روسية، وفق قرار السكان الذين يعيشون عليها. ويلفت إلى تراجع الصناعة في أوكرانيا مشيراً إلى أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي باتت أقل من تلك التي كانت موجودة خلال استقلال البلاد في 1991. وبعد أن ندّد بحقيقة أن الغربيين أرادوا قطع العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، اعتبر أن هذه الأخيرة هي التي دفعت ثمن ذلك.
وينظر فلاديمير بوتين إلى الانتقادات الموجهة لبلاده باعتبارها انعكاساً للنقاشات السياسية التي تتم داخل البلدان الغربية. وقد أراد التأكيد على علاقته الجيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أشار إلى أن هذا الأخير يستمع إليه رغم بعض الخلافات. ولكنه حرص، بالمقابل، على توجيه أصبع الاتهام إلى الإدارة الأميركية التي اتهمها بانتهاج سياستين مختلفتين تجاه روسيا في الولايات المتحدة: سياسة الرئيس وسياسة الإدارة.
ولأنه ندد بالعقوبات الأميركية الموجهة لبلاده، فإنه لم يستطع بالطبع – لأسباب تتعلق بالمبادئ – دعم العقوبات الموجهة لإيران. ولكن من جهة ثانية، يمكن القول إن هذه العقوبات لا تزعجه كثيراً، لأن من نتائجها ارتفاع سعر النفط، وهو ما سيسمح لروسيا بتحقيق فائض ميزانية. وفضلاً عن ذلك، فإنه يحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع الإمارات والسعودية.
«إننا لن نستسلم للغربيين أبداً والشعب يدعمني». يبدو أن فلاديمير بوتين استبعد تحسين علاقاته مع العالم الغربي ويبدي ارتياحاً لنسج علاقات جيدة مع بلدان العالم الأخرى.