تحل هذا العام الذكرى السنوية المئوية لوباء الإنفلونزا الإسبانية الذي اجتاح العالم في 1918، ويعتبر عن حق أكبر كارثة صحية عامة في التاريخ الحديث. ولذا يسعى الكثيرون من العاملين في مجال الصحة العامة الدولية، لاستغلال هذه الذكرى في التركيز على الدروس والعبر المستفادة، ليس فقط من وباء الإنفلونزا الإسبانية، وإنما أيضاً من جميع أوبئة الإنفلونزا التي وقعت خلال مئة عام الماضية، وبالتحديد على صعيد مدى الاستعداد الحالي لوباء جديد من الإنفلونزا، وكيفية الاستفادة من الجهود والإجراءات والتدابير الحالية، في رفع درجة الاستعداد وزيادة القدرات الفنية واللوجستية في مواجهة أوبئة عالمية من فيروسات وأمراض أخرى.
وعادة ما يختلط الأمر على الكثيرين بين الإصابة بالإنفلونزا وبين نزلات البرد العادي، بسبب تشابه الأعراض، والتي تشمل الصداع، وسيلان الأنف، والكحة والسعال، وآلام العضلات. وإن كانت الحقيقة هي أن الإنفلونزا مرض أخطر بكثير، حيث يعتَقَد أنه يتسبب في 650 ألف وفاة سنوياً. وهو ما يجعل من تلقي التطعيم ضد الفيروس المسبب للإنفلونزا أمراً بالغ الأهمية، خصوصاً بالنسبة للأطفال، وكبار السن، والنساء الحوامل، أو المرضى المصابين بضعف أو نقص في جهاز المناعة لسبب أو آخر.
وغالباً ما يصاب كثيرون منا بما يعرف بالإنفلونزا الموسمية، والتي تحمل هذا اللقب بسبب انتشارها في المواسم الباردة، من شهر أكتوبر إلى شهر مارس في نصف الكرة الشمالي، ومن أبريل إلى سبتمبر في نصف الكرة الجنوبي، وطوال العام في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية.
وبغض النظر عن موسم الإنفلونزا، يتمتع الفيروس المسبب لها بخاصية فريدة إلى حد كبير، ألا وهي قدرته على تغيير تركيبته الوراثية من خلال طفرات جينية متكررة، مما يصعّب على جهاز المناعة إمكانية التعرف عليه وتوليد أجسام مضادة كفيلة بقتله. حيث يعتمد جهاز المناعة في أساس عمله، على التعرض للميكروب أو الفيروس، ومن ثم التعرف على تركيبته الوراثية أو الجينية، وتكوين أجسام مضادة جاهزة تقوم بمهاجمة الميكروب أو الفيروس على الفور إذا ما حاول دخول الجسم مرة أخرى. لكن بسبب الطفرات الجينية التي يتعرض لها فيروس الإنفلونزا باستمرار، نجده يقدم نفسه دائماً لجهاز المناعة بتركيبة مختلفة وفي حلة جديدة، لا تتوفر لجهاز المناعة خبرة سابقة بها، ولا يوجد لديه مخزون من الأجسام المضادة الكفيلة بقتل وتدمير الفيروس الغازي في حلته الجديدة.
ويمكن تلخيص إجراءات وتدابير الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا في الآتي:
أولاً: تلقي تطعيم الإنفلونزا سنوياً، لاسيما لبعض الفئات، مثل الأطفال وكبار السن والحوامل والمرضى. وحتى إذا ما أُصيب المرء بالإنفلونزا بعد التطعيم فغالباً ما تكون الأعراض وحدّة المرض أقل وطأة.
ثانياً: تجنب الاختلاط مع المصابين بالمرض.
ثالثاً: تجنب لمس العينين، والأنف، والفم، حيث إنها من أسهل الطرق التي يدخل من خلالها الفيروس للجسم.
رابعاً: تنظيف وتطهير الأسطح ومقابض الأبواب، إذا ما كان أحد أفراد الأسرة مصاباً بالإنفلونزا.
خامساً: غسل اليدين بانتظام، وهو إجراء لا يحقق الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا فقط، وإنما بمجموعة واسعة من الأمراض المعدية الأخرى.
وإذا ما تعرض المرء للعدوى بالفيروس، فيجب اتباع الإجراءات التالية: 1) تغطية الفم والأنف عند الكحة أو العطس لمنع انتشار الفيروس. 2) غسل اليدين باستمرار. 3) شرب كميات كافية من السوائل والخلود للراحة قدر الإمكان. 4) إذا كان الشخص يعاني من إحدى الأمراض التي تضعف جهاز المناعة، فيفضل حينها تعاطي أدوية خاصة تعرف بمضادات الفيروسات. 5) لا داعي لتناول المضادات الحيوية، حيث إنها غير فعالة أمام الفيروسات، وتقتل البكتيريا فقط، ويترك القرار للطبيب المعالج في حالة وجود عدوى بكتيرية ثانوية أو إضافية.
وبخصوص التطعيم ضد الإنفلونزا، توجد هناك العديد من المفاهيم الخاطئة المنتشرة والمرتبطة به، مثل أنه لا يصلح للحوامل، والحقيقة أن الحوامل هن من الفئات المستهدفة بهذا التطعيم. أو أن التطعيم يتسبب في أعراض جانبية خطيرة، والحقيقة أن التطعيم ضد فيروس الإنفلونزا قد ثبت أمنه وسلامته بدرجة عالية، ومن النادر جداً حدوث مضاعفات جانبية خطيرة بسببه، وبنسبة واحد في المليون فقط. وربما كان من أهم المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالإنفلونزا، الاعتقاد بأنه ليس بالمرض الخطير، لدرجة تتطلب تلقي تطعيم ضده. فعلى خلفية أن الإنفلونزا تقتل 650 ألف شخص سنوياً، نتيجة المضاعفات التنفسية فقط، يُعتقد أن مجمل عدد الوفيات نتيجة جميع المضاعفات يزيد على ذلك بكثير. وفي الوقت الذي يتعافى الغالبية من المرض تماماً في غضون أسابيع قليلة، إلا أن البعض يصابون بمضاعفات صحية، مثل التهاب الجيوب الأنفية والأذنين، والالتهاب الرئوي الحاد، أو حتى التهاب القلب والمخ أحياناً.

*كاتب متخصص في القضايا العلمية والصحية