يحفل التاريخ البشري بمصطلحات ومفاهيم مؤسفة، جسدت مراحل مشينة من مسيرة التطور الثقافي والحضاري الإنساني، مثل تجارة العبيد، والاضطهاد الديني، والتمييز العنصري. إحدى تلك المصطلحات أو المفاهيم التي لا زالت حية ترزق بيننا، هو فحص أو كشف العذرية، والذي يهدف لاستقصاء عذرية الإناث، من خلال الكشف عن سلامة غشاء البكارة. ورغم أن كشف العذرية يُعتبر من القضايا المثيرة للجدل، بسبب تبعاته على الفتيات والنساء اللاتي يخضعن له، مما يجعله في نظر الكثيرين تصرفاً لا أخلاقياً، إلا أنه لا يزال ُيمارس في 20 دولة على الأقل في مختلف مناطق العالم. وهو ما حدا بلجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، للمطالبة نهاية الشهر الماضي بوقف ممارسة كشف العذرية في جميع دول العالم دون استثناء، كونه إجراء مؤلماً، ومُذلاً، وصادماً، وشكلاً من أشكال العنف والإيذاء البدني للفتيات والنساء على حد سواء.
ويتم غالباً إجراء هذا الفحص تحت القسر والإكراه لأسباب عدة، منها طلب الشخص المتقدم لخطبة الفتاة، أو أبويه، أو أحياناً حتى طلب صاحب العمل للموافقة على منح الفتاة الوظيفة. وأحياناً أخرى كإجراء بدائي ساذج، لمنع انتشار الأمراض التناسلية، خصوصاً فيروس الإيدز. هذا السبب الأخير، يُطرح كعذر لهذه الممارسة القميئة في عدد من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والتي يرى بعض كبار السن في القرى النائية أنه ضروري لمنع حمل المراهقات، ووقف انتشار فيروس الإيدز، وأحياناً ما يتم إجراء هذا الفحص لأسباب سياسية.
وغالباً ما يتم هذا الفحص من قبل الأطباء أو أحد أفراد الفريق الطبي، إلا أنه كثيراً ما يتم أيضاً على يد ضباط الشرطة، أو كبار السن والشيوخ في المجتمعات الريفية والبدائية. وفي تلك المجتمعات ترتبط العذرية بالفضيلة والشرف، وقد يكون فقدانها سببًا لقتل الفتاة، ضمن ما يعرف بجرائم الشرف. والمؤسف أن أسلوب الفحص المتبع في غالبية الحالات، لا يمكنه من وجهة النظر الطبية تحديد العذرية، وهي الحقيقة التي دفعت نهاية الشهر الماضي ثلاث منظمات رئيسة من منظمات الأمم المتحدة، لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، للمطالبة بوقف مثل هذا الإجراء، في دول ومناطق العالم قاطبة.
ويُعتبر العنف ضد الإناث حسب اتفاقية المجلس الأوروبي الخاصة بالوقاية من ومكافحة العنف ضد النساء والعنف الأسري، والمعروفة باتفاقية إسطنبول، انتهاكاً للحقوق الإنسانية، وشكلاً من أشكال التمييز ضد النساء. ويتضمن العنف ضد الإناث جميع أفعال العنف المبنية على جنس الضحية، والتي يمكن أن ينتج عنها أذى وضرر جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو مادي، بما في ذلك التهديد بالعنف، والإكراه، وسلب الحرية، سواء كانت تلك الأفعال في أماكن عامة، أو في ظروف وأماكن خاصة.
وكثيراً ما يبدأ العنف ضد الإناث في سنوات الطفولة والمراهقة، سواء كان هذا العنف جسدياً، أو جنسياً، أو نفسياً، ويأخذ أشكالاً مختلفة، مثل زواج الصغيرات والقاصرات، والتمثيل بأعضائهن الجنسية الخارجية، أو استغلالهم في الدعارة، وانتهاك براءتهم من خلال أفلام الفيديو والصور الإباحية. وللأسف قد يبدأ العنف ضد الإناث حتى قبل أن يولدن، ضمن ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث، ووأد البنات. هذه الظاهرة، والمعروفة بمأساة مئة المليون امرأة مفقودات، تشير إلى عدد الإناث الذي يعتقد أنهن أجهضن كأجنة، أو تم وأدهن كبنات، في الغالب نتيجة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، وبما أن هذا الإجهاض، وذلك الوأد، يتم لكونهن مجرد إناث، كما أن العديد من جرائم العنف ترتكب ضدهن قبل بلوغهن في السنوات الأولى من العمر، يصبح من الأفضل استخدام مصطلح أو تعبير العنف ضد الإناث، بدلاً من العنف ضد النساء، حيث يوحي المصطلح الأخير أن جرائم العنف تلك ترتكب ضد من بلغن منتصف العمر وأصبحن نساء يافعات.
ولن يسمح المقام هنا بحصر جميع تبعات العنف الموجه ضد النساء، بأشكاله المختلفة، بما في ذلك فحص العذرية، نتيجة تعدد تداعياته الإنسانية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية. فعلى الصعيد الإنساني، نجد أن العنف ضد النساء يتسبب في فقدان عدد كبير منهن لحياتهن. وعلى الصعيد الصحي، غالباً ما تنتج عن هذا العنف إصابات وإعاقات شديدة، تتطلب تدخلاً طبياً ورعاية صحية، ليس فقط على الصعيد البدني، وإنما أيضاً على صعيد الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية الناتجة عن العنف بأشكاله المختلفة.