باشرت الولايات المتحدة الأميركية في 4 نوفمبر الجاري المرحلة الثانية من العقوبات التي فرضتها على إيران، والتي نتفق جميعاً على أهميتها. وقد تضمنت المرحلة الأولى فرض قيود على بيع العملة الأميركية لإيران، وقطاع السيارات، والتعاملات بالعملة الإيرانية، وشراء الذهب من إيران، وتجارة السجاد والمواد الغذائية الإيرانية. وتتضمن العقوبات الأميركية في مرحلتها الثانية العديد من القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية الإيرانية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي، ومصدر العملات الصعبة التي تحتاجها طهران.
وتشمل تلك العقوبات مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأميركي (الدولار)، وتجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى مثل معادن الغرافيت والألمنيوم والحديد والفحم، فضلاً عن برامج كمبيوتر تستخدم في الصناعة، بجانب التحويلات المالية بالريال الإيراني ونشاطات تتعلق بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني ومشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن والتحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، إضافة إلى التحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني في الوقت الذي أعلنت فيه شبكة «سويفت» للمدفوعات البنكية في بروكسل أنها بدأت بالفعل وقف التعاملات الخاصة بعدد من البنوك الإيرانية، وهو ما من شأنه أن يجعل إيران في عزلة عن النظام المالي العالمي، ?كما ?قامت ?الإدارة ?الأميركية ?بإدراج ?أسماء ?أكثر ?من ?700 ?فرد ?وكيان ?وسفن ?وطائرات ?على ?قائمة ?العقوبات، ?بما ?في ?ذلك ?البنوك ?الكبرى، ?ومصدري ?النفط ?وشركات ?الشحن.
وقد أعلنت واشنطن هدفها من فرض تلك العقوبات على طهران وهو إما أن تتحول إيران 180 درجة عن مسارها الحالي المخالف للقانون، وأن تتصرف كدولة عادية، أو أنها ستشاهد اقتصادها ينهار. ولعلنا في منطقة الخليج العربي أبرز شاهد عيان على سياسات إيران العدائية التي لا تخالف فقط أبسط قواعد القوانين والمواثيق الدولية، بل تناقض حقوق الجوار، وأسس الدين الإسلامي الذي تدعي إيران أنها قامت بثورة حملت خلالها شعارات الإسلام في حين أن سلوكها وسياساتها منذ عام 1979 هي الأبعد عن الدين الإسلامي الحنيف. فالدور الإيراني الإرهابي واضح في سوريا ولبنان والعراق واليمن ومملكة البحرين، وبالتالي فإن ردع طهران أمر لا مناص منه لمصلحة استقرار وأمن المنطقة.
كما أن الأمر الواضح للعيان- ولجميع المراقبين، ولكنه يغيب عن من بيده صنع القرار في إيران- هو أن طهران بالفعل أساس معظم الأزمات والقلاقل في منطقة الخليج العربي بسبب رغبة إيران العدائية في بث الفتن الطائفية، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار في العديد من الدول العربية. وهنا تبرز تساؤلات عدة، أهمها: هل يستطيع صانع القرار في طهران استيعاب الأزمة الحالية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية؟ وهل بمقدور الحكومة الإيرانية تجنب «ربيع إيراني» يقوم به رجل الشارع العادي في إيران الذي لا يجد حالياً قوت يومه؟ وهل تستطيع الحكومة الإيرانية الاستمرار في رفض العقوبات الأميركية، وبالتالي عدم التوجه لإعادة التفاوض مع واشنطن حول الاتفاق النووي؟ ثم هل يمتلك «الملالي» في إيران الشجاعة الكافية لتغيير سياساتهم الإرهابية في المنطقة ووقف ما يسمونه «تصدير الثورة الإسلامية» لدول سبقت إيران في اعتناق الدين الإسلامي بعقود؟
نحن ما زال لدينا الأمل في أن يتبع النظام الحاكم في طهران منطق العقل ويستفيق من غفوته التي يملؤها الغرور والصلف، ويمد يد السلام والتعاون وحسن الجوار لدول الخليج العربي خاصة والعالم عامة. ولكني، وكما ذكرت مسبقاً مرات عدة، على يقين من أن إيران- سواء مع الملالي أو غيرهم، وسواء يقودها التيار المسمى «إصلاحياً» أو الآخر المسمى «محافظاً»- لن تقوم بتغيير سياستها التوسعية، ودعمها للإرهاب لن يتغير، إلا باستمرار مواجهتها والتصدي لسياساتها الإرهابية.