يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر الجاري، توجهت أعداد قياسية من مواطني الولايات المتحدة الأميركية إلى مكاتب الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النصفية لاختيار كل أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، والعديد من مناصب حكام الولايات. كان ذلك أول تصويت وطني حول إدارة الرئيس دونالد ترامب للبلاد. وكانت النتائج مختلطة، لكن بكل موضوعية يمكن القول إن الثلاثاء كان يوماً جيداً بالنسبة للديمقراطيين.
الجائزة المهمة كانت نجاح الحزب الديمقراطي في استعادة السيطرة على مجلس النواب. هامش الفوز كان كبيراً ويشبه «الموجة»، حيث خسر الجمهوريون أكثر من ثلاثين مقعداً في المجلس. وقد يكون تأثير هذا التحول خطيراً للغاية على إدارة ترامب، خاصة عندما يأخذ رؤساء اللجان الجدد أماكنهم في شهر يناير المقبل حينما يلتئم الكونجرس الجديد.
ومعلوم أن مجلس النواب يسيطر على «المحفظة المالية»، وهو صاحب الكلمة الأخيرة في ما يتعلق بكل المسائل المالية الكبيرة، بما في ذلك رصد التمويل للبرامج الداخلية والخارجية، مثل تخصيص التمويلات اللازمة لخوض حروب عسكرية خارجية. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن أعمال الكونجرس في سبعينيات القرن الماضي هي التي أرغمت إدارتي نيكسون وفورد في نهاية المطاف على إنهاء الحرب التي كانت تخوضها القوات الأميركية في فيتنام.
لجانٌ مهمة في مجلس النواب، مثل لجنة الاستخبارات ولجنة المالية، ستكون لديها صلاحيات التحقيق، بما في ذلك صلاحية استدعاء الشهود للإدلاء بشهاداتهم تحت القسم وتقديم الكثير من التفاصيل حول مسألة تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، التي فاز بها ترامب، ورفض الجمهوريون فتح تحقيق حولها عندما كانوا يسيطرون على مجلس النواب.
كما سيكون الديمقراطيون في وضع يسمح لهم بالغوص على نحو أوسع وأعمق في التاريخ المالي والضريبي للرئيس ترامب، بما في ذلك تعاملاته المالية السابقة مع بعض الأوليغارشيين الروس. وستتمثل أولويتهم الأولى في ضمان الحفاظ على دور روبرت مولر كمحقق خاص يحقق في علاقة روسيا بانتخابات 2016 الأميركية، وفي جعل خلاصات الجهود التي بذلها متاحة للكونجرس، بل وللجمهور أيضاً.
أما بالنسبة لترامب، فيمكن القول إن النتيجة الجيدة الوحيدة بالنسبة له من وراء الانتخابات النصفية هي أنه بات من شبه المؤكد الآن أن الجمهوريين سيحتفظون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ الأميركي، وإن بهامش أصغر مما كانوا يأملونه. وهذا سيضمن قدرتهم على تحديد أجندة المجلس، وربما الأهم من ذلك أنه سيبقي على رئاستهم للجان المهمة المعنية بالموافقة على قرارات التعيين التي يتخذها الرئيس لاختيار شاغلي المناصب العليا، لاسيما في المحكمة العليا، ووزارة العدل.. وكل المناصب المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية كوزير الخارجية نفسه وجميع سفراء الولايات المتحدة لدى البلدان الأجنبية.
وبغض النظر عن تأثير الانتخابات على الكونجرس، فالسؤال المثار حالياً: ما هي الخلاصات العامة بخصوص ما تعنيه انتخابات 6 نوفمبر بالنسبة لمستقبل إدارة ترامب؟
في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية العامة، سيكون ترامب قادراً على مواصلة جهوده لرعاية اتفاقات تجارية جديدة مع أوروبا وآسيا والأميركيتين. كما سيكون قادراً على الالتقاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ومحاولة تحقيق اتفاق السلام العربي الإسرائيلي الموعود بالتوازي مع تكثيف الضغط على إيران.
وبالنظر إلى أن الديمقراطيين سيكونون قادرين على وقف أجندة ترامب الداخلية، إذا لم يكونوا متفقين معها، فإن الرئيس قد يجد إغراءً، على غرار رؤساء أميركيين سابقين، في قضاء وقت أكبر في السياسة الخارجية، لذلك ربما نراه يضاعف جهوده خلال الأشهر المقبلة لوقف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. لكن في ما يتعلق بموضوع واحد يخص الهجرة، يمكن القول إنه سيكون من المستحيل على ترامب جمع مليارات الدولارات التي يقول إنه يحتاجها من أجل إتمام الجدار الكبير الذي يريد بناءه على الحدود بين الولايات المتحدة وجارتها المكسيك.
البعض في الولايات المتحدة يشعر بالقلق ويخشى أن يجرَّ ترامب وفريقُه المتشدد للأمن القومي البلادَ إلى حرب مع إيران. غير أن هذا لن يحدث إلا في حال قامت إيران بانتهاك «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشكل صريح واستأنفت من جديد برنامجها للتخصيب النووي، أو حاولت القيام بعرقلة شحنات النفط عبر الخليج العربي. أما الطريق الثالث للحرب مع إيران، فقد يكون في سوريا، حيث تتواجه إسرائيل وإيران منذ بعض الوقت. ذلك أنه إذا عرفت هذه الحرب، ذات المستوى المنخفض حتى الآن، تصعيداً حاداً ومفاجئاً، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها منجرّة إلى حرب مفتوحة لا يرغب فيها ترامب ولا الشعب الأميركي نفسه.