بلغت معدلات الانتحار بين الأطفال والمراهقين اليابانيين أرقاماً قياسية، حيث تضمن تصريح صدر حديثاً عن وزير التعليم الياباني، بيانات مفادها أن 250 طفلاً ومراهقاً يابانياً قد لقوا حتفهم العام الماضي انتحاراً، وهو أعلى رقم لحالات الانتحار بين أفراد هذه الفئة العمرية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبالتحديد منذ عام 1986. ورغم أن أعمار المنتحرين امتدت من طلاب المرحلة الابتدائية إلى طلاب المرحلة الثانوية، فإن الغالبية العظمى من حالات الانتحار وقعت خلال سنوات الدراسة الثانوية والتي تمتد في اليابان حتى سن الثامنة عشر.
ويرد جزء كبير من حالات الانتحار تلك إلى مشاكل عائلية، أو التوتر والقلق على المستقبل، أو التعرض للتنمر في المدرسة، إلا أن جزءاً أكبر، أو 140 من حالات الانتحار ال250، مازالت أسبابها غير معروفة، حيث لم يترك هؤلاء الأطفال والمراهقين خلفهم رسالة توضح سبب قتلهم لأنفسهم.
ويتصف حالياً اليابانيون بواحد من أعلى معدلات الانتحار بين شعوب العالم، ففي عام 2003 انتحر 34,500 ياباني من مختلف الفئات العمرية، وانخفض هذا الرقم إلى 21,000 (فقط) عام 2017، بعد تفعيل عدد من التدابير والإجراءات الوقائية. وإنْ كان موقع رأس قائمة الدول الأعلى في معدلات الانتحار، تحتله حالياً كوريا الجنوبية، بمعدل انتحار 29 شخص لكل 100 ألف من السكان، مقارنة باليابان والتي يبلغ معدل الانتحار بها 19 لكل 100 ألف، أو بريطانيا التي لا يزيد معدل الانتحار بها عن 6 فقط لكل 100 ألف من السكان.
ومن المنظور الدولي، يلقى كل عام قرابة ال800 ألف شخص حتفهم انتحاراً، ويحاول أضعاف هذا العدد أيضاً قتل نفسهم، ولحسن الحظ لا تتحقق لهم غايتهم. وعلى عكس الاعتقاد الخاطئ، لا تقتصر مأساة الانتحار على شعوب الدول الغنية، بل هي في الحقيقة ظاهرة عالمية، لا تستثني أيا من مناطق العالم، وتتأثر بها شعوب الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل بدرجة أكبر، حيث تقع حالياً 79 في المئة من حالات الانتحار السنوية بين شعوب هذه الدول.
ورغم أن الانتحار يقع خلال جميع مراحل العمر، فإن معظم ضحاياه يكونون ما بين عمر الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين، وهو ما يجعل الانتحار السبب الثاني على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد هذه الفئة العمرية على مستوى العالم. فبخلاف اليابان وكوريا، يأتي الانتحار في المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفيات في أستراليا بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، ولا يسبقه على هذه القائمة إلا وفيات حوادث الطرق والسيارات. وحسب إحصائيات المعهد الوطني للصحة النفسية بالولايات المتحدة، يحتل الانتحار المرتبة الثالثة على قائمة أسباب الوفيات بين المراهقين الأميركيين. وإذا انتقلنا إلى الهند، فسنجد أن واحدة من كل ثلاث حالات انتحار ناجحة -إنْ صح التعبير- كانت بين أشخاص تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وتسعة وعشرين عاماً، وهو ما يترجم إلى أكثر من خمسين ألفا سنوياً، بناء على أنه في عام 2002 فقط، تم تسجيل 154 ألف حالة انتحار في الهند بين جميع الفئات العمرية.
وكثيرا ما يكون انتحار الأطفال والمراهقين من نوع الانتحار المقلد أو المحاكي (Copycat suicide)، والذي تشتق تسميته من كونه تقليداً ومحاكاة لعملية انتحار تمت سابقاً من قبل شخص آخر. مثل هذا النوع يحدث عند انتحار أحد المشاهير من الممثلين أو المغنين، حيث يقوم معجبوه بتقليده، وقتل أنفسهم بنفس الطريقة. هذا النوع ينتشر غالباً بين المراهقين والأشخاص غير الناضجين نفسياً ويحصل هؤلاء على تفاصيل الانتحار من خلال شاشات التلفزيون ونشرات الأخبار، وهو ما دفع الكثير من وسائل الإعلام في العالم الغربي، إلى الامتناع عن نشر تفاصيل قصص انتحار المشاهير والممثلين.
وللأسف لا تترك مأساة قتل النفس وقعها على الضحايا فقط، بل تمتد تبعاتها لتشمل أسرهم وعائلاتهم، ومجتمعاتهم، ودولهم بأكملها، وهي التبعات التي تستمر آثارها لفترة طويلة. فبناء على الأرقام والبيانات والإحصاءات، من السهل إدراك أننا أمام قضية صحية دولية، تودي بحياة مئات الآلاف من البشر سنوياً في مختلف بقاع وأصقاع الأرض، ليتركوا خلفهم الملايين وعشرات الملايين من الثكالى، من الأهل والأبناء والأقارب والأصدقاء، بناء على أن وقع وضرر وأذى قتل النفس، لا يقتصر على مرتكب فعلته، وإنما يتردد صداه في دائرة الأسرة، ويترك أثره على المجتمع برمته.