يبدو بنيامين نتنياهو اليوم مستقراً كرئيس للوزراء، كما يبدو أن حكومته لن تحل قريباً، كما كان يوحي المشهد السياسي الأسبوع الماضي، عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان استقالته احتجاجاً على ما اعتبره تهاوناً أمنياً من جانب نتنياهو في مواجهة الصواريخ الخمسمائة التي انهمرت من غزة على بلدات الجنوب الإسرائيلي المحيطة بالقطاع.
لقد تفاقمت الأزمة عندما هدد «نفتالي بينت»، شريك نتنياهو في الحكومة الائتلافية، بأنه سيستقيل هو الآخر ويسقط الحكومة ما لم يرضخ نتنياهو لمطلبه في أن يحتل مقعد وزير الدفاع بدلاً من ليبرمان المستقيل، ليقدم نموذجاً في كيفية التعامل مع حركة «حماس» بالقوة اللازمة. كان مفهوماً أن «بينت» إذا ما نفذ تهديده هذا، فإنه سيخصم ثمانية مقاعد برلمانية من رصيد الحكومة، وهو ما كان سيؤدى إلى فقدانها أغلبيتها البرلمانية الطفيفة التي أصبحت واحداً وستين مقعداً في الكنيست من مجموع مائة وعشرين بعد انسحاب ليبرمان وحزبه منها.
لقد استطاع نتنياهو أن يؤثر على بينت، وأن يحمله على التراجع عن تهديده، وأن يدفعه إلى إعلان تنازله عن مطلبه في مقعد وزير الدفاع بعد أن لقّنه درساً تاريخياً، حيث راح نتنياهو يذكِّر بينت بأن أسلافه في حكومات اليمين سبق وأن خسروا كثيراً عندما ارتكبوا خطأ إسقاط الحكومة والذهاب إلى الانتخابات المبكرة مرتين؛ الأولى في عام 1992 والثانية في عام 1999، حيث انتهت الانتخابات المبكرة في الحالتين إلى فوز حزب العمل وفقدان اليمين للسلطة.
ومع تراجع بينت عن تهديده يمكن لنتنياهو أن يحصي المكاسب التي حققها وهي كالتالي:
1- نجاح خطته الاستراتيجية في عدم الانسياق وراء دعوات ليبرمان وبينت للقضاء على حكم «حماس» في قطاع غزة، حيث تقضي خطة نتنياهو بالقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة من خلال تعزيز إمارة غزة مع السيطرة على مخاطرها ضد إسرائيل من ناحية، كما تقضي خطته من ناحية ثانية بتجاهل دعوات عباس للسلام وإقامة الدولة الفلسطينية.
2- استمرار الحكومة تحت سيطرته وإحكام قبضته عليها وعدم التعجيل بالذهاب إلى انتخابات مبكرة في مارس 2019، وهو موعد لا يفضله. ومن المعلوم أن نتنياهو يفضل تأخير الانتخابات المبكرة إلى شهر مايو القادم ليستطيع تحضير الساحة الداخلية لصالحه؛ أولا في مجال الشرطة، وذلك بتعيين قائد جديد لها يتساهل مع قضايا الفساد التي يواجهها هو وزوجته، وثانياً في مجال تعديل القوانين بالكنيست، وذلك بإصدار قانون يلزم رئيس الدولة بتعيين رئيس الحزب الذي يحصل على الأغلبية لتشكيل الحكومة الجديدة ولا يترك للرئيس، كما هو الحال في القانون الراهن، حرية اختيار أي عضو من أعضاء الحزب الفائز. إن اهتمام نتنياهو بتعديل صلاحيات رئيس الدولة الإسرائيلية نتج عن اكتشافه لمؤامرة كان يعدها وزير سابق في ليكود اسمه «جدعون ساعر»، لإقناع رئيس الدولة بعدم اختيار نتنياهو لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات القادمة بدعوى أنه شخصية تحيط بها شبهات الفساد.
إن الخسارة الوحيدة التي يعانيها نتنياهو هي اضطراره لتكليف طاقم مكتبه بالإشراف المباشر على حضور جميع أعضاء الكنيست والوزراء والمنتمين للائتلاف لضمان الفوز في التصويت على القوانين بالغالبية الطفيفة التي يمكن أن تتأثر بغياب أي عضو عن التصويت.