يبدو أنه أينما وليتُ وجهي أقابل أشخاصاً يعانون من صدمة أو يساعدون أشخاصاً آخرين يعانون منها. وفي بعض الأماكن، ألتقي محاربين قدامى يحاولون التعافي من صدمات نفسية عانوها في العراق أو أفغانستان. وفي بعض الأحيان ألتقي نساءً يعانين من صدمات ما بعد الاعتداءات الجنسية. وفي أحيان أخرى، يكونون معلمين يحاولون مساعدة طلاب في التغلب على صدمات بسبب انتهاكات من البالغين.
وأينما يجتمع الأميركيون محاولين مساعدة بعضهم البعض، يواجهون مستويات من الصدمة لم يؤهلهم تدريبهم للتعامل معها. وقد حاول مجتمعنا إضفاء صبغة طبية على الصدمات، فأطلق عليها مصطلح «اضطراب ما بعد الصدمة»، كمرض فردي يمكن معالجته بالأدوية. لكن الصدمة قضية أخلاقية ونفسية أكثر من كونها مسألة كيماوية. فأينما وجدت صدمة، تكون هناك خيانة أو انتهاك للسلطة أو للتقدير الأخلاقي.
ويمكن للأدوية إعادة توازن الكيمياء في المخ، لكن لا يمكنها معالجة النفس الداخلية. والأشخاص الذين عانوا من الصدمة، سواء أكانت اعتداءً جنسياً في العمل أم ضرباً متكرراً في المنزل.. يجدون أن تكوين هويتهم تعرض للأذى والتفتت.
ومَن يعانون الصدمة يقولون أحياناً إنهم يشعرون بأنهم موصومون أخلاقياً. ويبدو أننا لا نجيد، من الناحية الثقافية، التعامل مع الإصابات الأخلاقية. وفي بعض الأحيان أنظر إلى زيادة معدلات الانتحار والاكتئاب، وارتفاع وتيرة الضعف وانعدام الثقة.. وأراها راجعة لكوننا جعلنا ثقافتنا في حالة «خواء روحي». وعندما نخصخص الأخلاق ونجرد الساحة العامة من المحتوى الأخلاقي، نكون قد سلبنا الناس من موارد المجتمع التي يحتاجونها للتعامل فيما بينهم ومع الآلام الأخلاقية.
ومن حسن الحظ أن الناس الذين يتعاملون مباشرة مع الصدمات يجددون اللغة الأخلاقية ويطورون منهجاً أخلاقياً. ومن هؤلاء «إدوارد تيك»، وهو اختصاصي نفسي يعمل منذ عقود في علاج الناجين من الحروب. وفي كتابه الجديد: «الحرب والروح»، يوضح أن اضطراب ما بعد الصدمة يمكن وصفه باعتباره: «إصابة روحية، تؤثر على الشخصية في أعمق مستوياتها».
ويشير «تيك» إلى أنه من بين المرضى الذين يعالجهم شخص يدعى «آرت»، ويصف حالته قائلاً: «أشعر أن روحي قد غادرت جسدي». وقد بدأ لديه ذلك الشعور حين كان في «كهي
سانه»، الفيتنامية، مع قوات المدفعية الأميركية في مواجهة الفيتناميين الشماليين، وقد قتل منهم أعداد كبيرة. وذات يوم، أغار الفيتناميون الشماليون على موقعه، وبينما كان يحاول الانسحاب، متوقعاً الموت في أي لحظة، شعر بأن روحه تفارق جسده، وظلّت هكذا، وبقي مصاباً بالصدمة، وفي حالة تأهب قصوى منذ عقود.
وقد أخبر المعالج النفسي «آرت» قائلاً: «يمكننا محاولة جعل جسدك وحياتك في مكان آمن لروحك لتعود، وإذا أمكننا إخراجك من حالة التأهب القتالي، فيمكنك أن تتعلم كسب الثقة ولو قليلاً، وعندها ربما يمكننا التقريب بين الروح والجسد مجدداً».
والأشخاص الذين يتعافون من الصدمة يتقمصون أحياناً لغة الأساطير، وهو ما يوفر لنا نماذج للتقدم الأخلاقي. وعندما نرى أرواحنا من منظور أسطوري، يمكننا أن نرى أن الحياة لا تزال تقدم لنا فرصة لفعل شيء بطولي.
ويلفت «تيك» إلى أن معظم الثقافات القديمة كانت تضع الجنود العائدين في طقوس تطهير، تطهير من المعارك والأمور الفظيعة التي فعلوها هناك، ليندمجوا مجدداً في المجتمع.
*كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»