في أول موقف معلن لرئيس الحكومة العراقية الجديد تجاه العقوبات الأميركية على إيران، صرح عادل عبد المهدي بأن «العراق ليس جزءاً من منظومة العقوبات الأميركية على إيران، وأن بغداد غير ملزمة باحترامها»، وذلك بعد بدء سريان المرحلة الثانية من العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران في الخامس من نوفمبر الجاري، والتي تشمل قطاعات الطاقة والمصارف والنقل البحري، كما تشمل 50 بنكاً إيرانياً مع فروعها، وأكثر من 200 شخصية، وعدداً من السفن في قطاع النقل البحري الإيراني، إضافة إلى شركة الخطوط الجوية الإيرانية، وأكثر من 65 طائرة من أسطولها. وهو تصريح يناقض تصريح رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي الذي أكد في أغسطس الماضي أن «العراق لا يتعاطف مع العقوبات الأميركية على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه».
وقد أثارت تصريحات عبد المهدي، ردود أفعال متفاوتة وتساؤلات لا تتوقف حول الكيفية التي سيتعامل بها العراق مع العقوبات في ظل التباين بين موقفي العبادي وعبد المهدي من طهران وواشنطن، ومدى التأثير الإيراني على سياسة بغداد، وما إذا كان العراق سيصبح رئة إيران في زمن العقوبات؟
ونظراً للتداخلات الإيرانية العراقية المعروفة، من المتوقع أن تؤثر العقوبات الأميركية بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي، حيث تميل كفة الميزان التجاري لمصلحة إيران، إذ بلغ حجم التجارة بينهما العام الماضي نحو 12 مليار دولار معظمها لمصلحة إيران. وتتكون أغلب الصادرات الإيرانية إلى العراق من مواد غذائية (فواكه وخضراوات وحبوب)، ومواد بلاستيكية وسيراميك ومواد بناء.. مقابل 700 مليون دولار صادرات عراقية إلى إيران.
الاختراق الإيراني للعراق واضح، ولا يخفِي الساسةُ العراقيون علاقاتِهم القوية بإيران. أما الفصائلُ المسلحة والمليشيات العراقية المدعومة من طهران، فقد هددت علناً بالعمل على خرق العقوبات ومدّ إيران بما تحتاجه من معونات، لتخفيف تأثير العقوبات عليها. لذلك ستحاول الحكومة الإيرانية جعل العراق متنفساً لها للالتفاف على العقوبات، وستساعدها أذرعها السياسية والعسكرية في التأثير على قرارات الحكومة العراقية حيال العقوبات.
وقد سبق للحكومة العراقية أن سعت لاستثنائها من العقوبات، وكنتيجة مباشرة لاعتماد العراق على إيران في مجال الكهرباء والسلع الاستهلاكية المستوردة، ظهرت مخاوف من حدوث أزمة في العراق نتيجة لتطبيق العقوبات الأميركية على إيران. وقد استطاعت بغداد الحصول على استثناء محدد من تطبيق العقوبات بعد مفاوضات بين مسؤولين عراقيين وأميركيين، حيث أعطت الولاياتُ المتحدةُ العراقَ فرصةَ 45 يوماً حتى يجد حلاً تدريجياً للتوقف عن استخدام النفط والغاز الإيرانيين.
وفي ظل انقسام المواقف السياسية العراقية، وحالة الفساد المستشري، يتوقع أن يتحول العراق إلى ممر لتمكين إيران من استيراد سلع محظورة عليها بموجب العقوبات الأميركية، بل وأن تسعى طهران لتحقيق مكاسب اقتصادية أكبر لمصلحتها في العراق، وأن تقوم بتصدير سلعها على نحو أوسع وأن تقبض أثمانها بالعملة الإيرانية من داخل العراق لخرق الحصار وتخفيف الضغط على الداخل الإيراني.
والواقع أن العراق لا يملك رفاهية خيار عدم تطبيق العقوبات، رغم المهلة الأميركية لبغداد واستثنائها المؤقت من استخدام الدولار في تعاملاتها التجارية مع طهران.
لذلك ستشهد المرحلة المقبلة انخفاضاً في حجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران، رغم اعتماد الأسواق العراقية بشكل كبير على المنتجات الإيرانية، الأمر الذي سيؤثر على هذه الأسواق. لذا فقد أصبح موقف الحكومة العراقية من العقوبات على المحك، وسيظل السؤال مطروحاً في ظل العقوبات الأميركية على إيران: المصالح العراقية أم الإيرانية أولا؟