مر الآن أكثر من أسبوعين على بدء نظام العقوبات الجديد على إيران، وسيمر وقت طويل قبل أن ينتهي. فقد أشار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى قائمة بـ12 شرطاً يتعين على إيران استيفاؤها قبل أن يحدث ذلك. وتشمل القائمة وقفاً دائماً للدعم الإيراني للمجموعات الثورية في الخارج، إضافة إلى وقف دائم لبرنامج إيران النووي. والحال أن لدى إيران نظاماً ثورياً يكرس نفسه لتصدير شكله من الإسلام الراديكالي، وفق تعريفها الخاص لنفسها، كما أنها نظام حكم ديني يعتمد على الشعور القومي للمحافظة على دعمه. بعبارة أخرى، إن هذه الشروط لن تتم الاستجابة لها في المستقبل القريب.
وبدلاً من التنازل، عملت القيادة الإيرانية بجد وأعدّت نفسها لضربة أخرى يتكبدها الاقتصاد الضعيف أصلاً. فالأوقات العصيبة قادمة لا محالة. ومنذ الآن، بدأت بعض الشركات تغلق أبوابها، وأخذت البطالة تتفشى، وأسعار المواد الخام في ارتفاع. وإذا كان البعض يعتقدون أن الحكومة قوية بما يكفي لتصمد وتستمر، لاسيما أن التجارة بين الصين والهند وروسيا ستتواصل، فإن البعض في إدارة ترامب لا يخفون آمالهم في رؤية النظام ينهار.
وقد يكونون محقين. ذلك أن الاحتجاجات غير المنظمة التي عرفتها إيران خلال الأشهر الستة الماضية يمكن أن تمتد وتنتشر. وقبل نحو سنة، كانت احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار والفساد، ومطالِبة بدولة علمانية، قد اندلعت في بعض المدن. ومعلوم أن إيران شهدت ثورة من قبل، وهذه الأخيرة قد تحدث من جديد. فماذا نحن فاعلون؟
الواقع أن لا أحد يسأل – بل لا أحد يفكر في هذا الأمر على الإطلاق. فالولايات المتحدة لديها الآن سياسة تشجع على سقوط النظام بشكل غير رسمي. ورغم أن لدينا في الولايات المتحدة نقاشاً حيوياً حول العقوبات وموجباتها، إلا أن لا أحد يفكر على ما يبدو في مستقبل إيران نفسها.
كما لا يبدو أن هذه الإدارة تفكر في الإيرانيين كثيراً – وهو أمر غير مفاجئ على اعتبار أن الأميركيين لم يسبق لهم أن فعلوا ذلك أبداً. ففي 2009، كان بوسع إدارة أوباما أن تضع حملة لحقوق الإنسان في صلب السياسة الأميركية الخاصة بإيران، بما يدعم الأشخاص والأفكار والتعليم والإعلام الذي كان يمكن أن يساعد على تغيير إيران من الداخل. وفي 2019، تستطيع إدارة ترامب القيام بالشيء نفسه. غير أنه إذا كانت الأولى لم تفعل ذلك، فإن الأخيرة لن تفعل أيضاً.
في مرحلة مماثلة من فترة تدهور الامبراطورية السوفييتية، كانت لدى الولايات المتحدة، إلى جانب أوروبا الغربية، سياسة تجاه ما كنا نسميها «الدول الأسيرة، آنذاك فكرنا جيداً في سبل ردع الاعتداء السوفييتي، ولكن أيضاً في الوصول إلى الروس العاديين. وقتئذ، لا شيء من ذلك كان يبدو مهماً جداً، ولكن عندما انهار النظام فعلياً في الأخير، تبين أن ذلك كان مهماً وفعالاً للغاية».
وفي حالة إيران، أحسبُ أن أي شيء يشبه فشل النظام يمكن أن تكون له عواقب كارثية. ذلك أن الاقتصاد الإيراني تهيمن عليه، بشكل صريح أو غير صريح، شركات مملوكة للحرس الثوري الراديكالي. ومعظم البنوك مملوكة مباشرة للدولة. والنظام القضائي يخضع لهيمنة رجال الدين. وفضلاً عن ذلك، فإن النظام التعليمي شوِّه بسبب عقود من الإيديولوجيا الدينية الراديكالية. صحيح أن ثمة بعض الجيوب الليبرالية المهمة وحركة حيوية لحقوق الإنسان، داخل البلاد وخارجها. ولكن الغرب – حكومات، ومنظمات خيرية، ومنظمات غير حكومية، وإعلام – لا يفعل الكثير لمساعدتها، والتحدث إليها، ومساعدتها على الفوز في معركة الأفكار. بل إننا في معظم الأوقات ننسى أنها موجودة أصلاً.
والحال أننا إذا كنا نريد نجاح إيران «الأخرى»، إيران ذات رؤية مختلفة، فينبغي أن نفكر في ذلك، ونخطط له، ونستعد له الآن. أما إذا كانت مصلحتنا في إيران لا تتجاوز تشجيع الفشل والانهيار، فإننا نستحق الفوضى التي يمكن أن تعقب ذلك في حال حصلنا على ما نريد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»