أحداث يوم الأحد الدراماتيكية في مضيق كيرتش التي استولت فيها القوات الروسية على ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية، تظهر مجدداً تصميم الكريملن على موقفه من أوكرانيا، كما تبرز إلى أي مدى يبدو الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو مستعداً للذهاب في سبيل البقاء في السلطة.
تصعيد يوم الأحد وقع عندما حاولت أوكرانيا تحريك ثلاث سفن تابعة لبحريتها من أوديسا في البحر الأسود إلى ماريوبول، إذ أبانت السلطات الروسية عن عدم استعدادها للسماح بمرور السفن، حتى الصغيرة منها. ومع أن أوكرانيا أخطرت روسيا بقدوم السفن، فإن قوات خفر السواحل الروس صدمت إحداها لتحتجز الثلاث، ما أسفر عن إصابة ستة بحارة وفق البحرية الأوكرانية.
رد فعل أوكرانيا كان قوياً، إذ دعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي يوم الاثنين، مطالبةً بمزيد من العقوبات ضد روسيا. وحذّر وزير خارجيتها بافلو كليمكن من أن روسيا ربما تخطط لـ«مزيد من الأعمال العدائية». كما أوصى مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني بإعلان قانون الطوارئ ستين يوماً، وهو ما لم تفعله أوكرانيا من قبل، حتى عقب ضم القرم والمعارك الكبيرة في شرق البلاد. وقد دعم بوروشينكو القرار، والراجح أن البرلمان الأوكراني سيقره.
رسمياً، هناك سبب لإعلان قانون الطوارئ الآن لم يكن موجوداً خلال القتال الدموي. فروسيا نفت وقتئذ مشاركتها في معارك شرق أوكرانيا، كما نفتها خلال ضم القرم قبل أن تعترف لاحقاً بإرسال جنود. أما اليوم، فإن القوات الروسية هاجمت سفناً أوكرانية في خرق لاتفاقية ثنائية. وليس من المبالغة تأويل ما وقع بأنه عمل حربي.
غير أن روسيا سارعت للقول بأن التصعيد يفيد بوروشينكو داخلياً. ووصف نائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كاراسن رحلة السفن الأوكرانية بـ«الاستفزاز».
الانتخابات الرئاسية الأوكرانية مقررة في 31 مارس المقبل، ولا يمكن إجراؤها في ظل قانون الطوارئ. لكن فترة اعتماد هذا الأخير هي 60 يوماً فقط، وبالتالي فالانتخابات يمكن أن تجري في موعدها المحدد.
بوروشينكو لا يستطيع التفاخر بإنجازات اقتصادية في حملته الانتخابية. فبعد خمس سنوات على «ثورة الكرامة»، تُعد أوكرانيا أفقر بلد في أوروبا حالياً، باقتصاد عالق في مستوى دون مستواه قبل الثورة، فيما لا يلوح أي تقدم في الأفق، حيث تواصل الأوليغارشية الفاسدة استنزاف البلاد.
لكنها استراتيجية فاشلة، وفق استطلاعات رأي حديثة. إذ يوجد بوروشينكو خلف رئيسة الوزراء الشعبوية السابقة يوليا تيموشينكو، والممثل فولوديمير زيلينسكي. غير أن اتخاذ موقف ضد روسيا قبيل الانتخابات قد يعزّز حظوظ القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية!
ومن جهته، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لجأ مؤخراً إلى خطوات غير شعبية، مثل رفع سن التقاعد، ليس ضد التصعيد من أجل إعادة بعض الروح الوطنية التي أوقدها ضم القرم. والواقع أن بوتين وبوروشينكو لا يستطيعان إخفاء عدائهما المتبادل عندما يكونان في الغرفة نفسها، لكنهما حليفان في ما يتعلق بالتصعيد بلا هدف عسكري أو استراتيجي.
غير أنه لا أحد منهما مهتم بحرب شاملة؛ ذلك أن من شأن نزاع «رسمي» يشارك فيه الجيش النظامي الروسي أن يفاقم حصيلة الوفيات. ولذا فكلا الزعيمين سيسعيان للإبقاء على المواجهة حية وعلى أسلحة البروباغندا مشتعلة، لكنهما سيكونان حريصين على عدم إشعال أي مواجهة شبيهة بالحرب الروسية الجورجية لسنة 2008.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»