يرتبط الموت في المخيّلة البشرية بالألم والخوف ووحشة الطريق الذي تُعرف بدايته ولا تُعرف نهايته، هذا بالنسبة للمقبل على الموت والمشارف عليه، أما أهله والمقربون منه، فالموت بالنسبة لهم فقدٌ وغيابٌ وحسرةٌ.
ورغم أن الموت مصير كل حي، وهو مكتوبٌ أيضاً على الشهيد، إلا أنّ المخيال البشري لا يستحضر التصوّرات المصاحبة للموت عند ذكر كلمة «الشهيد»، إذ المقبل على الشهادة لا يستحضر في أرض المعركة سوى الواجب والبذل والمسؤولية، وحين تُزف بشرى استشهاده، تختلج في النفوس مشاعر الفتوة والفخار والوفاء والفداء والحضور الدائم.
ولا يحدث هذا مصادفةً بكل تأكيد، إذ الموت يتقزّم أمام عظمة الشهيد، ويتوارى الموت ويغيب ولا يكون ثمة إلا الشهيد، فالموت هنا مجرد منصّة يصعد عبرها المرء لينال التكريم، ولا أحد يشغل نفسه أمام البطل بالنظر إلى المنصة التي يقف عليها، فهي مجرد خشبة تستخدم لتنصيب الأبطال والاحتفاء بهم، لأنّ الشهداء في حقيقة الأمر غائبون عنّا بأجسادهم، وحاضرون بتضحياتهم، وأحياءٌ عند ربهم يرزقون.
ولا يحظى الشهداء، دون غيرهم من البشر، بهذه المنزلة الرفيعة إلا لأنهم بذلوا في سبيل أوطانهم وأهلهم أعزّ وأغلى وأثمن ما يملكه البشر، ألا وهو الروح، فالبذل بالمال والوقت والجهد شيء، والبذل بالروح شيء آخر تماماً، ومَن يسخى بروحه يعد سخاؤه بكل ما دون الروح تحصيل حاصل، لأن الروح لا تعوّض، لكن ثمة فتية اختصّهم الله فأرخصوا أرواحهم في مقابل عُلا أوطانهم وعزّتها، وأمان أهلها واستقرارهم.
وفي هذا العالم الذي لا يرحم، لا تبقى الأوطان عزيزةً أبيّةً، وشامخةً منيعةً، راياتُها مرفوعةً، إلا بثمن غالٍ، ولا ينعم فيها جموع الناس بالأمن والاستقرار والعيش الكريم إلا بالتضحيات الجسام، سواء أكان ذلك من أبطال القوات المسلحة في ساحات المعارك التي تُفرض على الأوطان ولا سبيل إلى تفاديها، حيث القوانين والمواثيق تبقى حبراً على ورق ما لم يمتزج الحبر بالدم والعرق، ولا تقوم للعدل قائمة إلا بالهمة والقوة، ولا سبيل إلى ردّ العدوان إلا بالتصدي والمواجهة، ولا يمكن إطفاء نيران الفتنة إلا باقتحامها.. أم كان ذلك من مغاوير الأجهزة الشرطية والدفاع المدني أثناء أداء الواجب وسط تحديات تواجه أداء مهامهم، كالكوارث الطبيعية والحوادث الكبرى التي يواجهون فيها الأهوال والأخطار المحدقة، معرّضين أرواحهم للخطر في سبيل الآخرين.
شهداءَ الإمارات الأوفياء الأبرار.. ننحني أمامكم ونصلي من أجلكم، فالوطن أبيٌ شامخٌ بكم، وأهله في عزٍ وكرامةٍ بكم.