في الثامنة من صباح اليوم تُنكس الأعلام في حالة عرفان وتقدير وإجلال لكل شهيد قدّم روحه فداء للوطن ودفاعاً عن الحق، حتى تبقى دار زايد آمنة مستقرة وكريمة، ومن أجل مستقبل مشرق لأبنائنا يتطلعون فيه للمساهمة في ازدهار الوطن وتنميته استكمالاً لما بدأه الآباء والأجداد، ووفاء للشهداء ولتضحياتهم التي حمت الإنجازات، وأنارت الطريق، فالحياة الكريمة، كما يقول المؤسس زايد «لا تساويها حياة، والحياة الكريمة من دون وطن لا وجود لها، وإنني أتمنى لشباب الإمارات الحياة الكريمة».
قبل منتصف النهار بقليل، أي في الساعة الحادية عشرة والنصف ترفع راية زايد من جديد لترفرف عالية في السماء، معلنة الاستمرار والعزم والقوة والإصرار، على أن الوطن الذي ضحى من أجله الشهداء الأبرار، ينمو ويزدهر محققاً النجاح إقليمياً ودولياً باحتلاله المراكز الأولى في العديد من المجالات، وفاتحاً آفاقاً رحبة للجيل الجديد للإبداع والابتكار واقتحام مجالات العلوم والتكنولوجيا والفضاء.
وطن أسسه زايد الخير، وتوفر له القيادة كل أسباب النجاح، وشعب يملك الطموح يستحق التضحية من أجله، فأبناء الشهداء وأفراد عوائلهم والذين نفتخر بشجاعة شهدائهم وتضحياتهم سنرى من بينهم قريباً العديد من المواهب والمبتكرين، حالهم في ذلك حال بقية المواطنين، وذلك بفضل الرعاية والتشجيع اللذين توفرهما الدولة لأبنائها. وهذا يضع أسساً قوية للتنمية والتقدم، فدولة الإمارات اليوم التي يتوافر لها الاستقرار والأمن تحقق معدلات نمو جيدة على المستويات كافة، متجاوزة التحديات والمخاطر التي تمر بها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، حيث تحاول القوى المتربصة بالمنطقة بأجنداتها الشوفينية والطائفية والعصبوية محاصرة الإنجازات التي تحققت، وتخريبها باستخدام الوسائل كافة، بما فيها إشعال الحروب بالوكالة في البلدان المحيطة لمحاصرة دول الخليج والتضييق عليها.
لقد حدث ذلك في لبنان والعراق وسوريا وأخيراً في اليمن، حيث بدأ دخان الحرائق يصل إلى حدود دولنا المستقرة والآمنة بسبب الحقد والحسد وتصفية حسابات وهمية، إلا أن شهداءنا كان لهم قول آخر، فرسموا بدمائهم الطاهرة خطوطاً حمراء لأي معتدٍ، قائلين له: هنا يجب أن تتوقف! لم نعد تلك الدول محدودة الإمكانات، كما هي الحال في بداية الاستقلال وانتهاء فترة الحماية، لقد استطعنا تغيير موازين القوى بصورة جذرية لصالحنا، نحن الآن قوة يُحسب لها ألف حساب. لقد تحولنا إلى الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية، مضيفين أن العدوان لن يمر، ولن يمر الخريف العربي من هنا ولن تنجح سياسات الطعن من الخلف ولن يجدي صراخ «الإخوان» ووسائل إعلام الولي الفقيه، كل ذلك تلاشى شيئاً فشيئاًِ أمام عزم الشهداء وحزم القيادة.
نعم يتساقط هؤلاء، كأحجار الدومينو الواحد بعد الآخر، لتبقى الإمارات، وحلفاؤها من الأشقاء المخلصين، مستقرة وآمنة، ومستبشرة بمستقبل واعد يوفر الحياة الكريمة لكل أبنائها وللأجيال القادمة، مؤمنة بالسلم والتعاون ومد يد العون، بعيداً عن فرض الوصايا أو الاعتداء على أي كان، متبوأةً مركزاً عالمياً متقدماً، كإحدى أكبر دول العالم في تقديم العون والمساعدات الإنسانية والتنموية للكثير من البلدان والشعوب بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية، فالهدف إنساني تسترشد به قيادة الدولة في نهجها الثابت.
وتزامناً مع يوم الشهيد والاعتزاز بتضحيات الشهداء تعم أرجاء الدولة هذه الأيام الاحتفالات باليوم الوطني السابع والأربعين، يوم رفع فيه زايد وإخوانه حكام الإمارات علم الدولة في ساحة الاتحاد، ليعلنوا قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، تلك الدولة التي تطورت بصورة مذهلة لتقدم تجربة تنموية فريدة يضعها العالم اليوم إلى جانب أكثر التجارب التنموية نجاحاً، حيث يعتبر ذلك أجمل وفاء يقدم للشهداء، فالتنمية والتقدم لا يمكن تحقيقهما من دون الأمن والاستقرار، واللذين بدورهما لا يمكن ضمانهما من دون التضحيات للدفاع عن الوطن، والذي وقف الشهداء في مقدمة المدافعين عنه، تلك التضحيات التي ستبقى مغروسة في وجداننا ولن تُنسى أبداً.