الإمارات بين حُلُم زايد وقيام الاتحاد الذي مثل فرقاً كبيراً بين ما قبل 2 ديسمبر وما بعده، قصة نجاح كبرى. كانت الإمكانات محدودة للغاية، لكن الإرادة كانت مطلقة لا يحدها حد ولا يكبحها واقع.
فكرة الاتحاد طافت ودارت في فكر زايد وراشد منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وقد بدأت بالتساعية وكادت ترسو على ميناء الثنائية، لكنها استقرت وانطلقت بالسباعية، لكي تعانق حقبة نصف القرن بعد سنوات قلائل. إنه الحلم وقد تحقق واقعاً يفاخر به أهلُ الإمارات والعربُ جميعاً.
نجزم بأن ما تحقق في الإمارات خلال الـ 47 عاماً الماضية لا يقاس بما حدث في أي دولة عربية سبقت الإمارات إلى النهضة بعقود. إنه واقع ماثل لا نحتاج إلى الأدلة والبراهين لإثباته. فالقاعدة العلمية في الداخل بدأت من العين مع جامعة الإمارات بنحو 400 طالب وطالبة في العام الدراسي 1976/1977، وأذكر 70 طالباً من دبي خصص لهم الشيخ راشد، رحمه الله، سبعين فلّة كهدية لتخرجهم، وهي لا زالت شاخصة وقد سميت بمنطقة الخريجين في الوصل. وقد بلغت أعداد خريجي هذه الجامعة العريقة أكثر من 62 ألف طالب وطالبة يساهمون في إعلاء صرح الوطن، وهي اليوم ضمن أفضل خمسمئة جامعة على مستوى العالم، ويبلغ عدد الطلبة والطالبات فيها قرابة 14 ألفاً.
هذه فقط مخرجات جامعة الإمارات، فكيف بنا لو أضفنا إليها خريجي جامعتي زايد وخليفة وكليات التقنية العليا وكافة الجامعات الخاصة التي تبوأت من حيث أعدادها في الدولة المرتبة الثانية بعد الصين على مستوى العالم؟ الإنجازات كبيرة وواضحة في بعدها التعليمي منذ النشأة الأولى، وقد مثلت قاعدةً سليمة ارتقت بالدولة إلى لحظة انطلاق «خليفة سات» منذ أسابيع قليلة في اليابان.
البعد الآخر، وهو لا يقل أهمية عن التعليم ذاته (لأنه يعتمد عليه)، هو البعد السكاني الديموغرافي. فعند انطلاق الاتحاد كان عدد السكان أقل من نصف مليون، أما الآن فقد قارب الرقم عشرة ملايين، وهو مؤشر مهم على النجاح الفائق للبعد التنموي، فالقوى البشرية المواطنة والوافدة هي المساهم الفعلي لاستمرار النمو بمعدلات طبيعية حتى في فترات الأزمات الاقتصادية العالمية.
وعندما كانت نبرة الانتقاد للعمالة الأجنبية عاليةً، كان زايد طيب الله ثراه يقول بلهجته الواثقة، إن هؤلاء جعل الله رزقهم عندنا.. وهكذا كان مقامهم عند الأب المؤسس.
أما البعد الاقتصادي الذي كان يعتمد على النفط، فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نهاية الاعتماد على النفط بعد عقدين، عندما أشار في أحد لقاءاته النيرة إلى أن دخل النفط في دبي لا يكفي ميزانية دائرة واحدة من دوائرها الثمانية والعشرين، بينما تتمثل مصادر دخلها الرئيسية في التجارة التي فيها تسعة أعشار رزق البشر.
ويسلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ذات النهج عندما ذكر منذ نحو سنتين، في القمة الحكومية، أن آخر برميل نفط سيتم تصديره من أبوظبي في عام 2050.. ولم يترك الأمر معلقاً هكذا، حيث حدد البديل الأهم من النفط، وهو الثروة البشرية التي ستقود المستقبل في ظل اقتصاد المعرفة.
ومستقبل الإمارات سيتواصل صعوداً ونهضةً دائمين؛ فبعد مئوية زايد، تمضي الدولة إلى مئويتها في عام 2071 وقد وضعت قدميها على المريخ بخطى ثابتة وعزيمة ضاربة جذورها في العمق.

*كاتب إماراتي