خلال ما يقرب من خمسة عقود، وبالتحديد بداية من نشأة الاتحاد قبل 47 عاماً، خطت دولةُ الإمارات العربية المتحدة خطوات واسعة، يمكن أن توصف بالقفزات الهائلة، في جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية.. وغيرها.
وفي القطاع الصحي الذي نركز عليه هنا، وبعد تأسيس أول مركز صحي في الدولة عام 1943 في منطقة «الراس» بدبي، ثم مستشفى الواحة في العين عام 1961، والذي كان يعرف باسم مستشفى «كيندي» حينه.. تم تأسيس أول مستشفى في أبوظبي تحت اسم «المستشفى المركزي» عام 1968. ومن هذه البدايات المتواضعة، انطلقت الإمارات لتصل إلى ما هي عليه اليوم، حيث تتمتع بواحد من أفضل نظم الرعاية الصحية في المنطقة والعالم، مما جعل المنشآت الصحية في الدولة تحتل المرتبة الثانية على قائمة أفضل وجهات السياحة العلاجية في المنطقة.
وربما يشكل متوسط العمر في الإمارات، أفضل مثال على مدى التطور الذي شهده قطاع الرعاية الصحية في الدولة خلال العقود القليلة الماضية، وأكبر دليل على ارتفاع مستوى العناية المتوفرة في المنشآت الطبية حالياً. حيث تظهر آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن متوسط أو مؤمل العمر في الدولة قد بلغ 76 عاماً للذكور، و79 عاماً للإناث، مما يضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة من هذا المنظور الإحصائي الصحي. ويشير مصطلح متوسط العمر، أو بشكل أصح «مؤمل الحياة»، إلى عدد السنوات التي يؤمل أو يتوقع للمرء أن يحياها عند ولادته، في بلد ما، خلال فترة زمنية محددة. وتعود الزيادة في مؤمل حياة الأفراد إلى أسباب عدة، ربما كان أهمها هو انخفاض الوفيات بسبب الأمراض المعدية، وخصوصاً أمراض الطفولة المعدية نتيجة توفر برنامج وطني للتطعيمات، وتطوير نظم الصرف الصحي، وتوافر المياه النظيفة الصالحة للشرب.
وتعتبر قصة دولة الإمارات في مكافحة طفيلي الملاريا من أشهر قصص النجاح الدولية في هذا المجال. ففي عقد الستينيات، وبداية السبعينيات، كان معدل الإصابة بالمرض يتراوح بين 30 و60 في المئة، حسب إحصائيات وزارة الصحة حينها. لكن مع بدء تطبيق استراتيجية المكافحة الشاملة عام 1977، نجحت الجهات الصحية المحلية في خفض معدلات الإصابة بأكثر من 70 في المئة بحلول عام 1985، وتوقف انتقال المرض كلياً بحلول عام 1998. ونجحت الإمارات منذ ذلك الوقت، في الحفاظ على وضعها كأول دولة في إقليم شرق المتوسط، يتأكد لمنظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية الدولية خلوها من المرض نهائياً.
ولم يقتصر النجاح الصحي في دولة الإمارات على القضايا الصحية الكبرى، بل تحقق هذا النجاح تقريباً في جميع جوانب الرعاية الصحية، حتى بما في ذلك مشكلة عوز أو نقص اليود. حيث حصلت الدولة سابقاً، ممثلة في شخص وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون السياسات الصحية، على جائزة التميز والإجادة من قبل المجلس الدولي للوقاية من أمراض عوز اليود، تقديراً للجهود المبذولة والإسهامات المتعددة، محلياً ودولياً، في المساعدة على التخلص من اضطرابات عوز اليود وسوء التغذية.
وعلى صعيد القضايا الصحية الدولية، امتدت أيادي الإمارات الكريمة والمعطاء في بقاع وأصقاع الأرض المختلفة، لمساعدة العديد من الشعوب والمجتمعات المحلية على مواجهة الكثير من مشاكلها الصحية المزمنة. فمثلا، تعتبر الإمارات في طليعة الجهود الدولية الرامية للقضاء على فيروس شلل الأطفال، وهو ما تجسد من خلال مساهمات مالية ضخمة ومتعددة، لدعم البرامج الدولية والوطنية للتطعيم ضد شلل الأطفال، مما يؤكد على الدور الريادي للإمارات في مكافحة هذا المرض على المستوى العالمي. وتندرج هذه المساهمات ضمن تاريخ يمتد لعدة عقود من دعم القضايا الإنسانية حول العالم، حيث خصص الأبُ المؤسسُ المغفورُ له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مواردَ ضخمة في تسعينيات القرن الماضي لدعم حملة القضاء على مرض «دودة غينيا»، لتصبح دولة الإمارات من أوائل وأهم المساهمين الفاعلين في تخليص العالم من هذا المرض ذي العبء الإنساني والاقتصادي الفادح.
ولم تقتصر أيادي الإمارات الكريمة والمعطاء على دعم جهود مكافحة العديد من الأمراض حول العالم، بل امتدت أيضاً إلى السبل والإجراءات الكفيلة بالوقاية من الإصابة بهذه الأمراض من الأساس. فعلى سبيل المثال، هدفت مبادرة «سقيا الإمارات» الرامية لتوفير مياه الشرب الصالحة لخمسة ملايين شخص في البلدان التي تعاني من نقص المياه، إلى تحقيق الوقاية من الأمراض المنقولة من خلال مياه الشرب الملوثة، ولتضع علامة أخرى على طريق البر والخير الذي تسير على دربه، قيادةً وحكومة وشعباً.