أن تكون منطقتنا مركزية في المؤتمر الاستراتيجي السنوي في أبوظبي في بداية شهر أكتوبر الماضي، فهذا منطقي، لكن أن يتركز الاهتمام عليها أيضاً في الشهر نفسه عند احتفال الأكاديمية الروسية للعلوم بمرور مئتي عام على إنشائها، فهذا يؤكد أهمية منطقة الشرق الأوسط وأنه لا يمكن تجاهلها حتى من جانب أكاديمية علمية.
جاء المؤتمر السنوي الرابع لحوار المتوسط الذي انعقد في روما خلال الفترة بين يومي 21 و24 نوفمبر، ليؤكد مرة أخرى مركزية هذه المنطقة، سواء بسبب مشاكلها الحالية أو بالنظر لإمكانياتها الكامنة.
يقوم هذا الحوار المتوسطي على مبادرة من وزارة الخارجية الإيطالية والمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية. والواقع أن هذه الشراكة بين مركز بحثي وجهة حكومية تؤكد ما لفتنا النظر إليه كعلامة متكررة ومميزة لمثل هذه المؤتمرات والحوارات: هدف تجسير الفجوة بين القدرة العلمية للمحللين الأكاديميين وخبرة الممارسة لصانعي السياسة. وهكذا جمعت الأيام الأربع لهذا المؤتمر الحواري في جلساته العشرين حوالى 40 رئيس دولة ورئيس حكومة ووزيراً من تخصصات وقطاعات مختلفة، مع ممثلين عن منظمات دولية، وأيضاً حوالي 1000 يمثلون قطاع الأعمال والعاملين في المجال الثقافي والتحليل السياسي، من حوالي 80 مركزاً بحثياً من بنوك الفكر التي يزداد تأثيرها حالياً بطريقة مذهلة. وقد جاء هذا العدد الضخم من حوالي 50 دولة. كان المؤتمر الضخم مهرجاناً عالمياً يتفوق في تمثيله على الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تقتصر على الحكومات وممثليها.
وهناك نقطتان ينبغي التركيز عليهما:
1- أن الأصوات العربية، سواء أكانت أصوات الحكومات أم المحللين العرب، أصبحت مسموعة على المستوى الدولي. فرغم أن المؤتمر حول «الحوار المتوسطي»، فإن الضيف الذي ألقى خطاب الافتتاح الرئيسي كان رئيس جمهورية العراق برهم صالح، ومع رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجيو ماتريلا. خطاب الرئيس العراقي جاء في الصميم، ليس فقط بلغة إنجليزية سليمة وواضحة، ولكن من حيث المضمون الذي أكد على عروبة العراق، وأصرّ على أنه رغم المشاكل المتعددة للعراق، فمن المهم للدول الأخرى مساعدته على حل هذه المشكلات، بما في ذلك دعم الحكومة المركزية لمواجهة الإرهاب الداخلي والاستفادة من مواردها للعودة للصف العربي.
اشتملت الجلسة الأولى للمؤتمر على ثلاثة متحدثين عرب: أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، وكذلك أمين عام وزارة الخارجية العمانية سيد بدر بن حمد البوسعيدي. وجاء الحديث باللغة الإنجليزية مُتقناً من الجميع، مما أوصل الرسالة بوضوح. لقد أنصت الجميع باهتمام للمسؤولين العرب الثلاثة.
2- تطبيق الأساليب العلمية الحديثة في معالجة مشاكل المنطقة واستشراف مستقبلها. وكما قلنا في مقال سابق فإنه لا مفر من هذا التوجه، كما نرى ذلك أكثر وأكثر في عمل العديد من بنوك الفكر ومراكز البحث. وفي هذا السياق بدأ حوار المتوسط بعدد محدود من الباحثين يقومون بتطبيق أسلوب المحاكاة على الأزمة السورية بهدف إيجاد حل لها، أو ما يسمى «ألعاب السلام» لاستشراف المستقبل عندما تسكت المدافع ويتوقف سيل الدماء. اشترك في «لعبة السلام» السورية هذه 26 مساهماً يمثلون الأطراف المختلفة، بالإضافة إلى تسعة مراقبين وثلاثة خبراء، وأدارها «تيبرمان»، رئيس تحرير مجلة «السياسة الخارجية».
وحول النتيجة، وتقييم أسلوب المحاكاة واستشراف مستقبل سوريا، نلتقي في المقال القادم.