شهدت الهند، كونها دولة متعددة اللغات والأديان والثقافات والعرقيات، عدداً من المتصوفين والقديسين الذين نشروا وعلّموا التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة من أجل جمعهم في مجتمع محب للسلام. وكان من بين هؤلاء قديس يسمى «جورو نانك»، من إقليم بنجاب الهندي، وأسس الديانة «السيخية» قبل أكثر من خمسة قرون. ويطلق على أتباعه اسم «السيخ»، ولديهم معابد في أنحاء العالم تقريباً. بيد أن أكثر معبدين مقدسين في الديانة السيخية والأكثرها زيارة موجودان في إقليم البنجاب، أحدهما في مكان ولادة «نانك» والآخر في المنطقة التي عاش فيها معظم حياته وحيث توفي.
وأثناء تقسيم الهند إلى بلدين في عام 1947 لإقامة دولة باكستان، تم تقسيم إقليم البنجاب إلى قسمين أيضاً. وكان المعبدان الأكثر توقيراً في الديانة السيخية من نصيب باكستان في خطة التقسيم، على رغم من أن أغلبية السيخ اختاروا البقاء في الجانب الهندي من الإقليم. ومنذ ذلك الحين، يزور السيخ المعبدين بأعداد كبيرة كل عام كحجاج في يوم ميلاد مؤسس ديانتهم بعد الحصول على تأشيرات من باكستان لزيارة المكانين المقدسين.
غير أن العلاقات بين الهند وباكستان، اللتين خاضتا ثلاثة حروب ويحدث بينهما تبادل لإطلاق النار عبر الحدود على رغم من وقف إطلاق النار، لا تزال متوترة منذ التقسيم بسبب قضية كشمير. وضعف العلاقات يتسبب في صعوبات وعقبات أمام حج «السيخ» إلى المكانين المقدسين عندهم، على رغم من أن أحد هذين المعبدين، الذي دفن فيه مؤسس هذا الدين، يقع في مدينة «كرتاربور» التي تبعد أربعة كيلومترات فقط داخل باكستان من الحدود الهندية.
وقبل أربعة أشهر، قدّم رئيس الوزراء المنتخب حديثاً عمران خان في خطاب انتصاره بعض الدلالات الإيجابية وأعلن أن حل قضية كشمير لا تزال هي القضية المحورية بالنسبة لحكومته. وكان قد أعلن أيضاً أنه في مقابل كل «خطوة» تخطوها الهند على طريق تحسين العلاقات، فإن باكستان ستخطو «خطوتين». وقد كانت أولى الخطوات المبدئية هي فكرة إنشاء ممر من الحدود الهندية إلى «معبد كرتاربور» من أجل خدمة الحجاج السيخ، كبادرة حسن نية تجاه الهند.
ولا شك في أن إنشاء «ممر كرتاربور» بين الهند وباكستان هو خطوة طيبة نحو بناء الثقة بين البلدين. ومن شأنه تسهيل الرحلة والسماح للحجاج السيخ الهنود بالذهاب عبر الحدود الهندية مباشرة إلى المعبد، في حين سيتم وضع سياج حول الممر داخل الأراضي الباكستانية. وأثناء وضع احتفال وضع حجر الأساس إيذاناً ببدء أعمال إنشاء الممر، أكد رئيس الوزراء عمران خان أن الهند وباكستان لن تحرزا أي تقدم ما لم تحررا نفسهما من أغلال الماضي. وكانت باكستان قد دعت وزيرة الخارجية الهندية «سوشما سواراج» لحضور الاحتفال، لكنها اعتذرت بسبب «التزامات محددة سلفاً». وشارك بدلاً منها وزيران لعملهما علاقة مباشرة بالجانب الهندي من إقليم بنجاب.
وعلى رغم من هذا التعاون النادر بين نيودلهي وإسلام آباد، فإن ذلك لا يعني استئنافاً تلقائياً لما يسمى بعملية السلام المتوقفة بين الجانبين، كما أنه لا يعني أن الجانب الهندي أصبح متأهباً لإجراء محادثات. ولا تزال هناك صعوبة في إجراء حوار بسبب التباعد بين البلدين، كما أن هناك قدر كبير من غياب الثقة بينهما، ولن يكون من السهل جسر الهوة. وعلاوة على ذلك، هناك اختلاف بين الهند وباكستان حول أولويات القضايا المهمة. فالهند أوضحت أنها ترغب في التحرك بقوة ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية. ولا يزال أمام إسلام آباد شوط طويل قبل الوفاء بهذا المطلب، وإقناع نيودلهي أنها لا تستخدم الإرهاب كأداة سياسية ضدها. وأما بالنسبة لباكستان، فيعتبر حل قضية كشمير مسألة محورية.
وفي هذه الأثناء، لا تبدو المرحلة الراهنة ملائمة لكي تبحث الهند في بدء أية عملية سلام أو حتى حوار مع باكستان، لاسيما أن نيودلهي تتجه إلى انتخابات في مايو المقبل، ومن المستبعد أن يسعى رئيس الوزراء «ناريندرا مودي»، الذي ينافس لإعادة انتخابه، من أجل بدء أو استعادة المحادثات، لاسيما أن قاعدة ناخبيه من المناهضين المتعصبين لباكستان. وأية محاولة لاستئناف المحادثات سينظر إليها بعين الريبة من قبل الناخبين الذين يشكلون القوميين الهندوس من جناح اليمين.
وبناء على ذلك، يبقى من الصعب ترجمة إيماءة حسن النية بإقامة «ممر كرتاربور» إلى أي نوع من التحسن في العلاقات الثنائية. وكما كان متوقعاً ألغى الجانب الهندي الاجتماع الذي كان مزمعاً بين وزيري خارجية البلدين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وليس ثمة شك في أنه الهند وباكستان لا تزالا بعيدتين عن أي استئناف لمحادثات السلام. وأية فرصة لتحسين العلاقات لن تكون ممكنة قبل الانتخابات العامة المزمع عقدها في الهند العام المقبل.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي