إلى متى يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيادي أمام تجارب إيران الصاروخية، وقد كان آخرها صاروخ باليستي قادر على حمل رؤوس نووية تطال كافة دول الشرق الأوسط، وبعض أجزاء من قارة أوروبا؟ قبل أيام كانت طهران تُجري تجربة صاروخية جديدة ضمن برنامجها الصاروخي الذي تصر على القول كذباً كعادتها إنه دفاعي، وذلك في انتهاك واضح وفاضح لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، والذي تم اعتماده في إطار الاتفاق النووي لعام 2015، وهدف إلى كبح برنامج إيران النووي ومنع اختبارات إيرانية على أسلحة باليستية ذات قدرات نووية.
التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة أكدها قائد القوة «الجوفضائية» في الحرس الثوري الإسلامي «أمير علي حاجي زاده»، والذي أشار إلى أن التحسينات التي أدخلت على ترسانة إيران الصاروخية وضعت قواعد أميركية في متناول اليد، وكذلك حاملات الطائرات الأميركية المتمركزة في الخليج، وذلك بحسب تصريحاته لوكالة الأنباء الإيرانية «تسنيم»، لكن الترجمة التي نشرتها «رويترز» تقول:«إنها في مرمى نيراننا ويمكننا ضربها إذا قاموا أي الأميركيون بتحرك».
ما الذي يمكن للمحلل السياسي المتابع للشأن الإيراني أن يخلص إليه في ظل هذه الأنباء الصاروخية الإيرانية الأخيرة؟ قطعاً إيران تكذب مثلما تتنفس، ومواقفها المتناقضة تفضحها، ففيما تتشدق أمام الاعتراضات الأممية بأن من حقها حيازة الأسلحة التي تكفل لها الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها، نجد المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي يأمر بتحديد مدى برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى 2000 كيلومتر هذا في العلن، ولا يدري أحد هل يمكن أن يكون المدى أبعد من ذلك سراً، ما يعني أن أنحاء الشرق الأوسط برمتها مهددة، عطفاً على القواعد الأميركية في الخليج العربي، وإسرائيل بنوع خاص، وعليه يتساءل المرء عن أي صواريخ دفاعية يتحدث نظام الملالي؟
إحدى الكوارث التي خلفها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في الاتفاق سيئ السمعة الذي وقعه مع الإيرانيين آملا ًمن ورائه أن يكون القيصر الأميركي الذي يجلب السلام معهم، كانت إغفال برنامج إيران الصاروخي رغم الخطورة البادية للعيان من ورائه، ولهذا رأينا الرئيس ترامب يُصر على أن يتم وضع قيود على برنامج الصواريخ الإيرانية كشرط مسبق لبقاء واشنطن في الاتفاق النووي السابق توقيعه، قبل أن يقرر الانسحاب منه في 12 مايو الماضي.
يراقب العالم ومجلس الأمن الغطرسة الإيرانية من دون أن يحرك ساكناً، ما ينذر بنتائج وخيمة على الجميع في قادم الأيام، والدليل على ما نقول به ما صرح به الأسبوع الجاري اللواء «أبو الفضل شكارجي» المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية من أن:«طهران لن تستأذن من أحد لتمارس حقوقها»، وذلك رداً على الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لإيران، وعند «شكارجي» أنه: «لا داعي لأن توضح طهران قدراتها الدفاعية لأحد». هل يمكن توفير الربط بين التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة وبين التهديدات المتجددة التي أعلنها روحاني عن سلامة تدفق النفط في منطقة الخليج العربي؟
يبدو المشهد الإيراني وكأنه سلسلة من الحلقات المتصلة، والبداية من عند إظهار مدى طول الأذرع الإيرانية، وتالياً يعمد روحاني في كلمته التي ألقاها في مدينة «شاهرود» مؤخراً إلى القول إنه: «على أميركا أن تعلم أنها إذا أرادت أن تقف حائلاً دون بيع النفط الإيراني، فإن ذلك يعني أنها ستمنع بيع نفط المنطقة». لم يقل روحاني بأي طريق ستفعل إيران ذلك، لكن الحال يغني عن السؤال والتصريحات السابقة تعيد التذكير بما تنويه إيران من إلحاق أكبر الضرر بالممرات الرئيسة لتصدير نفط الخليج العربي إلى العالم، سواء من خلال مضيق هرمز من ناحية، أو عبر باب المندب من جهة أخرى، وهذا ما يفكك شيفرة دعمها للحوثيين كوكلاء حرب لها حال خوض مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وقت كتابة هذه السطور كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تميط اللثام عن تحركات عسكرية أميركية مكثفة في اتجاه المنطقة، في المقدمة منها تحرك عدة سفن بحرية تتقدمها حاملة الطائرات النووية «ستيمنس»، وذلك في إشارة لا تخطئها العين، ورسالة واضحة وضوح الشمس في ضحاها على إيران أن تستوعبها. العناد والكبرياء الإيرانيان المزيفان دفعا العميد حسن سلامي، نائب القائد العالم لقوات حرس الثورة الإسلامية في إيران، للتهديد بصواريخ بلاده في مواجهة حاملات الطائرات الأميركية في الخليج، وصور له الخيال المريض بالعظمة أن تجاربه قادرة على جعل واشنطن تتراجع، ونسي أو تناسى حسابات «ميزان الانتباه»، ذلك المصطلح العسكري الذي يبين أن إيران نمر من ورق في مواجهة الترسانة العسكرية الأميركية براً وبحراً وجواً.. ثم ماذا؟ إنها ساعة القرارات الأممية الحاسمة والحازمة مرة وإلى الأبد تجاه إيران، وساعة يقظة أوروبا عما هي غافلة عنه، ولحظة تكشف لموسكو وبكين عمق التهديدات الإيرانية في المديين المتوسط والبعيد.
*كاتب مصري