اعتاد الأميركيون على أن يثير ترامب الجدل على المسرح الدولي لدرجة أنه حين تمر قمة أو مؤتمر بسلاسة يبدو هذا غريباً. وهذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس التي حضر فيها ترامب الاجتماع السنوي لقمة العشرين. فقد أشرف ترامب على توقيع اتفاق تجارة جديد مع كندا والمكسيك ووافق على تهدئة الحرب التجارية الناشئة مع الصين. ومازح زعماء العالم الذين هاجمهم من قبل وابتعد عن التقاط الصور التي تتصدر الصحف عادة مع الحكام المثيرين للجدل وانضم إلى الصيغة المبدئية لبيان القمة وهو الأمر الذي رفضه في قمة مجموعة السبع في وقت مبكر من العام الجاري.
والعاصفة التي تلوح فوق البيت الأبيض التي تتمثل في التحقيق بشأن الزعم بوجود تعاملات من معسكر ترامب مع الكرملين تكتسب زخماً فيما يبدو وربما أسهمت في الطريقة اللطيفة نسبياً التي تعامل بها ترامب في القمة. وربما أثر في هذا أيضاً الجهود المتناسقة لمضيفيه الأرجنتينيين والقوى الأخرى لتفادي الخلاف كما في القمم السابقة. فقد شهدت المفاوضات بشأن البيان محاولة من حلفاء أميركا بأن يكسبوا ترامب في صفهم. فلم يجر إدانة «الحمائية» التجارية في الوثيقة، وسُمح للولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً خاصاً بها في قضية تغير المناخ نظراً لموقف الولايات المتحدة من اتفاق باريس. واعتبر موقف البيت الأبيض في الأرجنتين حظاً سعيداً للنظام الليبرالي الذي أشاع فيه ترامب الاستقطاب في الغالب. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم السبت الماضي قائلاً: «وافقت الولايات المتحدة على نص صريح بشأن تعدد الأطراف يلتزم بالقواعد الدولية. ووافقت على نص صريح بشأن التجارة تمت مناقشته باستفاضة وهو واضح جداً بشأن الإصلاحات. ووافقت على نص مشترك فيما يتعلق بشؤون الطاقة. كما تحدث الرئيس ترامب في الجلسة العامة قائلاً إنه رغم عدم اتباع اتفاق باريس (بشأن المناخ)، لكنه يريد كثيراً أن يشارك في شؤون المناخ».
لكن تحلى بعض المحللين بتفاؤل أقل واعتبروا هذا التوفيق المضطرب دلالة على مدى الضعف الذي أوصل ترامب إليه مؤسسات مثل مجموعة العشرين. وصرح توماس رايت من معهد بروكينجز لواشنطن بوست أنه يرى المشكلة تتمثل في أن «الأمور يمكن نقضها ولذا كان هناك تقلص للطموح من الزعماء الديمقراطيين الآخرين. إنهم قلقون من أن يصطنع ترامب جلبة بشأن محاولات صياغة تعاون مما يعني أن هذه القمم ليست إلا تجمعات للزعماء من دون قائمة أولويات حقيقية. وهذه هي وظيفة ترامب».
وكان أبرز أحداث القمة العشاء المطول يوم السبت قبل الماضي بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج. وانتهى العشاء بتوافق متواضع وافق فيه ترامب على أن يؤجل على الأقل جولة جديدة من فرض الرسوم الجمركية على البضائع الصينية في مقابل مشتريات صينية إضافية من البضائع الزراعية والصناعية الأميركية. وجاء التنازل الصيني كمحاولة لتخفيف مصدر شكوى ترامب الدائم المتمثل في اعتلال الميزان التجاري الأميركي مع الصين. لكن هناك القليل من الأسباب التي تدفعنا إلى الاعتقاد أن المحادثات في المستقبل ستحقق الكثير من التقدم في بعض من أصعب النقاط بين البلدين ومنها عمليات النقل الصينية القسرية للتكنولوجيا من الشركات الأميركية.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «وقف إطلاق النار المؤقت في الحرب التجارية الأميركية الصينية ترك أصعب القضايا لجلسات تفاوض في المستقبل ستحاول تحقيق النجاح الذي فشلت فيه جهود سابقة في ظل موعد طموح ينتهي بعد 90 يوماً. وأعلن ترامب أنه، إذا واجهت أحدث المساعي العراقيل نفسها، سيشرع في خططه السابقة لزيادة الرسوم الجمركية على منتجات صينية بقيمة 200 مليار دولار لتصل إلى 25% بدلاً من نسبة 10% طُبقت في الأول من يناير».
واحتمال تجدد الحرب التجارية بحلول الربيع وارد جداً. والمشكلة بالنسبة لترامب أن الولايات المتحدة بدأت تشعر بوطأة سياساته الحمائية. فقد جاء في افتتاحية لصحيفة جارديان البريطانية أن «تقارير ذكرت أن آلافاً من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمزارعين وتجار التجزئة على امتداد البلاد عانوا خسائر مالية نتيجة ارتفاع أسعار المواد والبضائع المستوردة».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»