من بداية متواضعة لقطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات، مع تأسيس أول مستشفى بالدولة عام 1961، وهو مستشفى الواحة في مدينة العين، والذي كان يعرف حينها بمستشفى «كيندي» نسبة للزوجين اللذين أشرفا على تأسيسه.. خطى هذا القطاع الحيوي والمهم خطوات كبيرة وواثقة، توصف تاريخياً بالقفزات الهائلة، وربما غير المسبوقة.
ويتضح بشكل جلي حجم النجاح الذي حققه قطاع الرعاية الصحية في الدولة خلال العقود الأخيرة، من إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي تظهر أن متوسط أو مؤمل العمر بلغ 76 عاماً للذكور، و79 عاماً للإناث، مما يضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة من هذا المنظور.
وضمن مسلسل النجاح هذا، واستكمالا لمسيرة التميز تلك، حقق أيضاً القطاع الصحي خلال السنوات القليلة الماضية، نجاحات ملموسة في واحد من أهم مجالات الطب الحديث، وربما من أكثرها تعقيداً، وهو مجال نقل وزراعة الأعضاء. حيث أصبحت الإمارات في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال حالياً، وبالتحديد في زراعة أكثر من عضو في آن واحد، وهو الإجراء الطبي الذي لا يتوافر حالياً في أي من دول المنطقة، ما عدا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ومن الممكن إدراك حجم الإنجاز الذي حققه حتى الآن البرنامج الإماراتي الوطني للتبرع بالأعضاء، والذي يشرف عليه حالياً الدكتور علي عبد الكريم العبيدلي، المدير التنفيذي للشؤون الأكاديمية بشركة أبوظبي للخدمات الصحية، ورئيس اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء، من خلال البيانات والإحصاءات التي تظهر نجاح 268 عملية نقل وزراعة لإنقاذ حياة 34 مريضاً، بالاعتماد على أعضاء حصدت من 9 حالات تبرع بعد الوفاة، كما تم نقل 9 أعضاء من تلك الأعضاء المتبرع بها إلى المملكة العربية السعودية.
وتوجد حالياً 4 منشآت صحية مرخص لها بإجراء مثل تلك الجراحات، وهي مستشفى مدينة خليفة الطبية، ومستشفى كليفلاند كلينيك، ومستشفى ميديكلينيك، ومستشفى الجليلة للأطفال. ومن بين هذه القائمة، حققت مدينة الشيخ خليفة الطبية السبق على صعيد زراعة الكلى من الأقارب، وذلك منذ عام 2008، حيث تمت زراعة 255 كلية من الأقارب بنجاح، وعلى المنوال نفسه نجح مستشفى كليفلاند كلينيك بأبوظبي في زراعة 13 كلية وكبداً من الأقارب.
وكتجسيد للاهتمام الوطني والعلمي بنقل وزراعة الأعضاء، شهدت مدينة أبوظبي أول من أمس السبت، انعقاد مؤتمر وورشة عمل للجمعية الدولية لنقل وزراعة الأعضاء. حيث استعرض المؤتمر الذي استضافته شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»، العديد من المحاور المهمة، مثل أفضل الممارسات المطبقة عالمياً في هذا المجال، والحوكمة في برامج زراعة الأعضاء، وأنظمة التمويل الصحي، بالإضافة إلى إبراز دور التشريعات والقوانين، وأهمية التعاون الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي في إنجاح البرامج الوطنية.
وشارك في المؤتمر عدد كبير من أفراد الطاقم الطبي العاملين في الدولة، ومن طلاب كليات الطب، تلقوا محاضرات ألقاها نخبة من الكوادر الطبية والخبراء العالميين، من إسبانيا، وكندا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، ومن دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بهدف توفير التدريب اللازم، والإطلاع على أفضل الممارسات وآخر المستجدات العلمية في مجال نقل وزراعة الأعضاء.
ويأتي اهتمام القيادة الحكيمة، وواضعو الخطط المستقبلية لقطاع الرعاية الصحية في الدولة، بمجال نقل وزراعة الأعضاء، على خلفية البيانات والإحصاءات التي تظهر وجود حوالي 4 آلاف شخص مصابين بفشل أحد الأعضاء الحيوية، مثل هبوط وفشل القلب، وفشل الكبد والرئتين، وإن كان الغالبية العظمى من هؤلاء يعانون من الفشل الكلوي. وبالنظر إلى حقيقة أن تكلفة الغسيل لمرضى الفشل الكلوي تتراوح بين 450 ألف و1.2 مليون درهم على مدى ثلاث سنوات، مقارنة بتكلفة زراعة الكلية والتي تبلغ 380 ألف درهم فقط خلال نفس الفترة، تصبح زراعة كلى جديدة هي الحل الأفضل على صعيد التكلفة المالية.
هذا بالإضافة إلى أن خيار الزراعة، يجنب المريض التكلفة الاجتماعية للغسيل الكلوي، والمتمثلة في التأثير السلبي على نمط الحياة اليومية، وعلى باقي أفرد الأسرة والأهل. حيث يحتاج مريض الفشل الكلوي إلى نحو 600 ساعة من الغسيل الكلوي سنوياً، كما أنه يتعرض لمعدلات أعلى من المضاعفات الصحية، مثل الشعور الدائم بالإعياء والتعب، والاكتئاب المزمن، والإصابة بأمراض الأوعية الدموية، وبفقر الدم أو الأنيميا، وبالاختلالات العصبية، والعدوى، وربما حتى فشل الغسيل الكلوي في تخليص جسمه من السموم والمواد الضارة، مما يجعل زراعة كلى جديدة خياره الوحيد للبقاء على قيد الحياة.