يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، العاشر من ديسمبر، بعد سبعين عاماً على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان طفرة في تاريخ البشرية أدت تدريجياً إلى عولمة مفاهيم حقوق الإنسان، وانتشار ثقافته التي تطورت تدريجياً لتترسخ مفاهيم حماية الحقوق والحريات في المجتمعات الإنسانية، سواء من الحكومات أو الشركات أو الأفراد.. أو من إرهاب الدول والتنظيمات.. إلخ.
وعكست قيمُ حقوق الإنسان عبر السنوات حيويةً في شموليتها وتبنيها لقضايا جديدة ومستجدة، حيث ظهرت أجيال من حقوق الإنسان وتعمق وعي الشعوب بها. فهل يمكن الحديث عن إنجازات تعكس المرحلة الطويلة التي مرت بها مسيرة حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن رصد تحدياتها والتنبؤ بمستقبله‏ا؟
وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قيماً عالمية إنسانية، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، صيغت عشرات المعاهدات والاتفاقيات والإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان، وانضمت الدول طوعاً للنظام العالمي لحقوق الإنسان، وأُنشئت الأنظمة الإقليمية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وأصبحت المنظمات غير الحكومية فاعلاً رئيساً في تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، وصولاً للتدخل في شؤون الدول الداخلية باسم عالمية حقوق الإنسان.
ورغم ذلك ما يزال التشكيك في عالمية قيم حقوق الإنسان قائماً ومحل جدل؛ على أساس أن المبادئ القانونية التي تضمنتها الوثائق الدولية لحقوق الإنسان تستمد مصادرها الأولية من الثقافة الغربية، وإن تم التصديق عليها من دول تمثل ثقافات مختلفة‏. لكن المشككين في عالمية حقوق الإنسان، يركزون على سيطرة الثقافة الغربية على هذه القيم، مقابل الخصوصيات الثقافية الأخرى. وقد ناقشت دول العالم في المؤتمر الثاني للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في فيينا عام‏ 1993‏، مبدأ عالمية حقوق الإنسان والخصوصيات الثقافية للشعوب المختلفة، وتوصلت إلى أن احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب لا يتعارض مع عالمية حقوق الإنسان، فهذه الحقوق إرث إنساني مشترك.
ورغم جهود دول ومنظمات ناضلت في سبيل تحويل حقوق الإنسان إلى واقع ملموس، فهناك انتكاسة في مجال حقوق الإنسان. ففي أوقات الأزمات تتراجع أولوية القوانين الضامنة لحقوق الإنسان. ففي سياق أزمة «السترات الصفراء» الحالية في فرنسا، طُرح التساؤل حول جدوى قوانين حقوق الإنسان في معادلة عنف المتظاهرين بالعنف المضاد، بعد ما أظهر فيديو متداولٌ أن عناصر من الشرطة الفرنسية قاموا بتركيع نحو 150 طالباً بمدرسة ثانوية، مما أثار غضباً واستياءً شديدين، واتهامات للسلطات الفرنسية بالاستخدام المفرط للعنف، وبما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
وفي بريطانيا، أعرق الديمقراطيات الغربية، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، العام الماضي، أنها «ستمزق» قوانين حقوق الإنسان إذا كانت «تعترض طريق» التعامل مع المشتبه في كونهم إرهابيين، وستسهل عملية ترحيل الإرهابيين الأجانب المشتبه بهم و«تقيد حرية وتحركات» أولئك الذين يشكلون تهديداً.
ورغم ذلك مازال الجدل مستمراً حول قوانين وقيم حقوق الإنسان، خاصة في البلدان التي ترفض المبدأ لناحية كونه تدخلاً في شؤونها الداخلية، أو بحجة الأمن القومي أو الخصوصيات الثقافية. اليوم، وبعد سبعين عاماً من مسيرة حقوق الإنسان، يستعيد العالم في ذاكرته الجماعية الرغبات والطموحات التي صاغها ممثلو الدول عندما أقروا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. اليوم يقف العالم، حكومات ومنظمات ومجتمعات، لتقييم مسيرة حقوق الإنسان وإعادة النظر في ممارساتها وأطروحاتها.