إنها حقاً الزيارة الأولى للحبر الأعظم في منطقة الخليج العربي، لكنها ليست الزيارة الأولى للمحبة على هذه الأرض الطاهرة. فمنذ البدايات الأولى لدولة الإمارات، جُبِل ثراها على المحبة لتنبت نباتاً حسناً، رُسِّخ بقادة وشيوخ هذه الأرض الطيبة، الذين لم تتوقف حكمتهم الفذة، وعقولهم النيرة عن الدأب والاجتهاد في سبيل اختصار السبيل، والوصول إلى الهدف بتسخير الإمكانات والقدرات كافةً، ليرووها بالإيمان والإخلاص والوفاء للوطن، معتبرين أن كل بلاد الله، وكل بقعة على البسيطة، وطن.
شيوخ الإمارات، هم قادة وطن وقادة حكمة، تلك الحكمة التي دفعتهم للبناء، منذ حطت أجنحة الوئام على الإمارات السبع، متمثلة برؤية الأب المؤسس زايد العطاء والخير، لتصبح إمارات الإنسان والسلام والأخوة والمحبة، فلا تكاد تقف أيديهم المعطاءة عن رعاية ودعم المؤسسات والمبادرات والفعاليات التي تجمع النشء جميعهم على كلمة «إنسان» و«سلام» و«وئام».
ولم تعتد الإمارات على تحقيق أهداف اعتيادية، فقد اكتسبت من شموخ الشيوخ رفعة للطموح، ولنا أن ننظر لحزمها واجتهادها بذلك، ففي حين زينت كلمات النشيد الوطني الإماراتي وجنتي كل من يقطن فيها، وتعالت أصوات الاحتفالات بهجة بعيد اتحادها، لم يتراخَ أوفياؤها من إضافة تفرد جديد، ليصبح جواز السفر الإماراتي هو الأول على مستوى العالم، وهذا لا يعني رفعة سياسية أو دبلوماسية فحسب، بل يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإمارات رسمت بحضارتها وعراقتها وتلاحم مكوناتها فسيفساء تراحم عالمية، جديرة بالتمعن والتدارس حتى في المقامات العلمية، لأن السلام نهج لا بد أن يرتوي به الأبناء قبل الآباء.
سابقات فخر تتكرر على هذه الأراضي المعطاءة، لينتظر العالم الزيارة الأولى للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، للمنطقة الخليجية، بضيافة إماراتية كريمة، فبراير المقبل، ليسطر التاريخ حدثاً عالمياً يزخرفه العقلاء ودعاة السلام بحبر من ذهب، وذلك ليس بغريب على الإمارات سيدة الريادة في المبادرات، ناشرةً لثقافة السلام والتسامح وتعزيزها في أوساط المسلمين في المجتمعات المسلمة، ومستنبطةً ذلك من خلال السياسة الرشيدة لحكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان - طيب الله ثراه -، وإدارته الفذة للتنوع الثقافي والتعددية الدينية التي أضافها لميزات الدولة ونقاط قوتها.
فهذه الزيارة ستكون مدخل خير لإرساء قواعد التعاون الدولي، تحقيقاً لسعادة الإنسان وعدم الوقوف فقط على حقوقه العامة كما ستكون بمثابة سندان محبة لتجسير الهوة المفتعلة بين المنظومتين الإسلامية والغربية وإبراز دور الأديان السماوية، وبخاصة الإسلامية والمسيحية وقدرتها على التعايش، بل الاصطفاف والتخندق في مواجهة تيارات العنف الديني والظلامية والشعوبية السياسية.
إن زيارة الحبر الأعظم بوسط ترحيب من القيادات الإماراتية، درة تضاف لوسام التعايش الإماراتي، مزينة تاج الوقار لـ «أم الإنسانية» والتسامح،.
البابا يقود وراء بياض ردائه، أعمالاً أكثر نصاعة، على مرأى العالم أجمع منهم مليار وثلاثمائة مليون مسيحي، نتقاسم معهم المحبة والروابط الإنسانية، ليضع كفه والقيادات الرشيدة على أكفنا جميعاً لبناء قوي متسلح بالمحبة في وجه القوة الواهية الظالمة، إيماناً منه بأن الخير أينما وقع نفع، وليس بأدل على ذلك من مواقفه النبيلة مع اللاجئين والأطفال، وزياراته للمنطقة الشرق أوسطية احتراماً للإسلام والمسلمين، فحين سؤل عما يلقى على عاتق الإسلام والمسلمين من اتهامات رد جازماً: «ليس من الصواب الربط بين الإسلام والعنف، هذا غير عادل»، إضافةً لمواقفه المؤيدة، التي تربت على أكتاف الخير دعوةً لتعزيز حوار الطوائف المسيحية مع بعضها البعض، ومع الأديان الأخرى، ومناهضةً لعمليات التطهير العرقي والممارسات الجائرة ضد مسلمي بورما.
وإن هذه الزيارة الأولى من نوعها، ستكون بمثابة أول الغيث لفطرة السلام والوئام والمحبة التي جبلت عليها الإنسانية، واستكمالاً لمظاهرها التي نشاهدها بل ونعيشها في أنحاء هذا البلد كافة، لتحتضن أرضها الأديان برحابة كأم حنون، تطمح لزيادة الخير، ولا مجال لديها للكراهية، ونجد هذا نسقاً متناغماً مع رؤية شيوخها الذين رحبوا بزيارة بابا الفاتيكان، عاقدين العزم لتكون أملاً لتعميق الاحترام المتبادل، وترسيخ الحوار بين الأديان، والعمل من أجل تعزيز السلم والسلام والأخوة بين جميع البشر من خلال هذا الرمز العالمي لتعزيز روابط الأخوة الإنسانية، فأول الغيث السماوي قطرة، وأول الغيث الإنساني فطرة زرعت مع طينة الإنسانية الطاهرة النقية، فشكراً آل زايد.