من شأن الأخ في سعيه بين أشقائه وحثّهم على التهدئة وتهيئة الأجواء للمصالحة، أن يبصِّر بآثار الخلاف الواقع بينهم، مكتفياً بالإشارة إلى أسبابه، دون أن يسمّي الطرف المتسبّب به، لئلا يكابر وتأخذه العزة بالإثم، ولعلّه يؤوب إلى رشده، إن لم يكن عن قناعة بخطأ الطريق الذي يسلكه مع أشقائه، فتقديراً منه للأخ المحب الحريص على روابط الأخوة.
وكان من الواضح أن النظام القطري ماضٍ في غيّه وعدم استجابته لدعوة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، في كلمته باجتماع القادة الخليجيين الذي عقد في مدينة الرياض هذا الأسبوع، حين دعا إلى وقف الحملات الإعلامية بعد أن «زرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف أبنائنا»، والتي «ستدمر كل بناء أقمناه، وكل صرح شيّدناه»، في ظلّ الخلاف الخليجي الذي وصفه الشيخ صباح الأحمد بأنه «أخطر ما نواجهه من تحديات»، إذ لم يتوقف النظام القطري دقيقة واحدة، قبل وبعد وأثناء ذلك اللقاء الخليجي، عن شنّ حملاته الإعلامية الشعواء.
وقد دأب النظام القطري على سدّ آذانه عن أي نصح أو أمل في توقفه، ولو ليوم واحد عن حملاته الإعلامية المغرضة والكاذبة ضد الدول التي اضطرت لمقاطعته، ناهيكم عن غيرها من دول خليجية وعربية تَسْلقها الآلة الإعلامية القطرية بلسانها الحاد، بحسب دفء أو برود العلاقات معها، أو بحسب أجنداتها التخريبية واقتراب مواسم حصاد الفتنة التي تزرعها في كل مكان، كما حدث مع الكويت نفسها.
في سنة 2013، إبان المسيرة التي حملت اسم «كرامة وطن»، وقف النظام القطري بإعلامه، على الأقل، مع أعمال الشغب التي وقعت في الكويت وكان من الممكن أن تتفاقم، ما دفع الكويت لإغلاق مكاتب قناة «الجزيرة» وسحب تراخيص العاملين فيها، وهو الأمر الذي حدث أكثر من مرة، كما في سنة 2010، وسنة 2002، وسنة 1999، ففي كل هذه السنوات أغلقت الكويت مكاتب القناة القطرية، لكن لا حياة لمن تنادي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يصمّ النظام القطري آذانه عن الاستماع إلى حقيقته التي ينكرها، فقد سبق للشيخ صباح الأحمد أن ألمح إلى ما يتسّبب به الإعلام القطري، ففي مباحثاته العام الماضي في العاصمة الأميركية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صرّح أمام الصحفيين بضرورة عودة قطر إلى السرب الخليجي، وإلى تناسي الخلافات الخليجية في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، وقال: «نحن أكثر ناس تعرضنا لهذا الموضوع من إخواننا في قطر».
الإعلام المنفلت بالنسبة للنظام القطري هو بمنزلة الجيوش لدى الدول الأخرى، ويستحيل على هذا النظام أن يتوقف عن حملاته الإعلامية، كما يستحيل على أي دولة أخرى أن تسرّح قوتها الضاربة، فهذا النظام صُنع في الإعلام، وتورّم في الإعلام، وصار شيئاً يُذكر بالإعلام، وتوقفه عن حملاته الإعلامية يعني زواله. ‏?