المفاوضات الجارية حالياً في السويد بين ممثلي الحكومة اليمنية الشرعية، والمتمردين «الحوثيين»، على ما تكتسيه من أهمية، نظراً لما حققته من نتائج أولية على المستوى الإنساني، من ذلك تبادل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وأيضاً لجهة توقع المراقبين تقديمها لحل أولي يتمثل في التخفيف من حدة التصعيد العسكري الدائر هناك منذ ثلاث سنوات، خاصة في الحديدة، وقد يكون مساراً حاسماً نحو الوصول إلى حل سلمي، إلا أنها من ناحية مخرجاتها تثير مخاوف عدة أطراف فاعلة، خاصة ممثلي الحكومة الشرعية، وذلك بعد أن أزاح المبعوث الأممي إلى اليمن«مارتن غريفيث» الستار عن تفاصيل خطته لإيقاف المواجهات العسكرية في الحديدة وتطبيع الأوضاع في المدينة ومينائها الاستراتيجي، عارضا انسحاب المتمردين من المدينة الساحلية في مقابل وقف القوات الحكومية هجومها، ثم تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة، بالتوازي مع نشر مراقبين في ميناء الحديدة وموانئ أخرى في المحافظة.
والحقيقة أن مخاوف الأطراف الفاعلة مبررة، لسببين، الأول: أن وجود بعثة دولية لحفظ السلام في الحديدة يعني بقاء الوضع في الأرض على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى، وبالتالي يتم تقسيم اليمن إلى دولتين، وهذا ما تريده إيران للدول العربية كلها وليس اليمن فقط، ناهيك على إعفاء «الحوثيين» من الالتزام بكل القرارات الأممية السابقة، والسبب الثاني: أن السعي لتكوين قوة مشتركة واستدعاء عناصر أمنية وعسكرية ما قبل الانقلاب «الحوثي» في سبتمبر 2014، يبدو أمراً مثار استفهامات كثيرة من أهمها: لمن سيكون انتماء عناصر القوة المشتركة.. للدولة اليمنية وقواتها الشرعية، أم للمتمردين «الحوثيين»؟، وكيف سيتم اختيارهم؟.. إلخ.
ومع أن الخطة الأممية تبدو في ظاهرها مسعى مهماً لتحقيق السلام، كونها تتمحور حول: ضرورة إيقاف المواجهات المسلحة، وخفض مستوى التصعيد بما في ذلك إيقاف عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة «الحوثية»، والبدء بسحب القوات التابعة للطرفين بشكل متزامن من الحديدة ومينائي «الصليف» و«رأس عيسى» إلى خارج المدينة، إلا أنها تبدو خالية من حل مؤسس لمسألة الشرعية في اليمن، كما أنها لا تهتم بيمن موحد، مع أن غريفيث يسعى لتفكيك تعقيدات الحرب في اليمن من خلال تجزئة الحلول، ومحاولة تحويل أي اتفاق حول مدينة الحديدة إلى نموذج يمكن تعميمه لاحقا في محافظات أخرى مشتعلة وصولا إلى العاصمة صنعاء، غير أن طموحات المبعوث الأممي تواجه الكثير من الصعوبات، من بينها: انعدام الثقة بين الفرقاء اليمنيين بعد أربع جولات فاشلة من الحوار، ودخول العامل الإقليمي على الخط عبر اختطاف طهران للقرار «الحوثي»، وربط أي تنازلات بملفات دولية وإقليمية بالغة التعقيد.
مهما تكن نتائج جولة مفاوضات السويد، والتي ستتواصل الشهر المقبل، فإن «الحوثيين» منذ ظهورهم كتنظيم مسلح ضد سلطة الدولة اليمنية، مروراً بدعمهم من قوى خارجية، إلى غاية استيلائهم على الدولة، ورفضهم للشرعية ومن ثم تبعيتهم لإيران، لم يعبؤوا بتاريخ اليمن، ولا ميراثه الديني، الموغل في القدم، إذ عرف اليمنيون القدماء الديانة التوحيدية قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي الديانة التي أسماها الباحثون الغربيون«التوحيد الحميري»(الذي هو امتداد لما قبل حمير من حضرموت ومعين وسبأ وقتبان وأوسان).. الحوثيون لم يعوا هذا التاريخ، وركنوا إلى«شهوة سياسية» بلباس طائفي ومذهبي، فأنَّى لهم أن يكونوا شركاء في الحاضر، وهم في«الفتنة سقطوا».