كان الاجتماع الثنائي الذي عقده رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة مجموعة العشرين التي انعقدت نهاية نوفمبر الماضي في الأرجنتين، بمثابة معلم مهم في العلاقات بين البلدين. وعقب الاجتماع، غرّد رئيس الوزراء الهندي بأنه أجرى مع ولي العهد السعودي «مناقشة مثمرة»، وأشار إلى أن الجانبين ناقشا جوانب مختلفة في العلاقات الثنائية، وبحثا تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية وفي مجالات الطاقة.
وأثناء الاجتماع، عرضت المملكة العربية السعودية توريد النفط والمنتجات البترولية الأخرى التي تشكل أهمية كبيرة للهند، لاسيما أن لديها طلباً متنامياً على الطاقة. وناقش القائدان أيضاً زيادة الاستثمارات السعودية في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والأمن الغذائي.
وذكر الأمير محمد بن سلمان أيضاً لرئيس الوزراء الهندي أن المملكة سرعان ما ستنتهي من الاستثمارات المبدئية في صندوق الاستثمار والبنية التحتية الوطني في الهند، من أجل مساعدة نيودلهي على تعزيز بنيتها التحتية في بناء الموانئ والطرق السريعة والمشاريع المدنية الأخرى.
ومنذ تولي منصب رئيس الوزراء في عام 2014، سعى «ناريندرا مودي» إلى تعميق علاقاته مع المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي الأخرى في محاولة لنقل العلاقات مع هذه الدول ليس فقط إلى مستوى إستراتيجي ولكن أيضاً لجذب استثماراتها. ولا تستورد نيودلهي 70 في المئة من نفطها الخام من المملكة العربية السعودية فحسب، ولكنها تحصل أيضاً على شريحة ضخمة من تحويلات يرسلها نحو ثلاثة ملايين هندي يعملون هناك. وفي الوقت ذاته، تعتبر الهند، وهي من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، سوقاً محورية للمملكة العربية السعودية. وفي الحقيقة، لطالما كانت العلاقات الهندية الخليجية قوية ومتعددة الأبعاد، وتتنوع بين توريد النفط الضروري لتشغيل الاقتصاد الهندي المتنامي إلى أكثر من سبعة ملايين هندي يعملون في دول الخليج العربي المختلفة.
وفي سياستها الخارجية تجاه غرب آسيا، سعت إدارة مودي إلى موازنة علاقاتها مع دول المنطقة كافة، لذا يعتبر لقاء «مودي» مع ولي العهد السعودي من بين أهم الاجتماعات على هامش قمة مجموعة «العشرين».
وإضافة إلى الاجتماع مع الأمير محمد بن سلمان، عقد رئيس الوزراء الهندي أيضاً اجتماعات مع نظيره الياباني «شينزو آبي» والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وركزت الاجتماعات على منطقة الهند والمحيط الهادئ، التي أصبحت محط تركيز كبير لدى نيودلهي التي اتفقت مع طوكيو وواشنطن على «التعاون وفقاً للقيم المشتركة».
وعلى الرغم من ذلك، سلطت الهند، التي تستضيف قمة مجموعة العشرين في عام 2022، الضوء على وجهة نظرها بشأن قضيتي التجارة والتغير المناخي. واضطلعت بدور كبير في التعبير عن رؤية الدول النامية في مختلف الفعاليات، ولم تكن قمة مجموعة العشرين الأخيرة بمعزل عن ذلك. وشدد «مودي» بصورة خاصة على التعاون بين دول «العشرين» بشأن مجموعة من القضايا المرتبطة بالاقتصاد العالمي والتوترات التجارية وأسعار النفط الخام والإرهاب والمخالفين المنفلتين للقواعد الاقتصادية. وتحدث كذلك عن تهديد نقاط الضعف المالي المتزايدة، الناشئة في الأساس عن السياسات النقدية للاقتصادات المتقدمة وتذبذب أسعار النفط، مؤكداً على أن هذا التذبذب يشكل ضغوطاً كبيرة على موارد الموازنة والتمويلات المحلية للدول النامية والاقتصادات الناشئة.
وتخوض الولايات المتحدة مواجهة تجارية أثرت أيضاً على دول أخرى في خضم حرب الرسوم الجمركية. وحذّر رئيس الوزراء الهندي، الذي تحدث طويلاً عن التوترات التجارية في العالم وأضرار الحروب التجارية ليس فقط على الاقتصادات النامية ولكن أيضاً على الاقتصادات الناشئة، من الأضرار الجماعية التي سببتها الحروب التجارية وأصابت الدول المتقدمة. ودعا إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية، وطالب بإجراء حوار حول التجارة والخدمات لاسيما في القطاع الزراعي.
ومن الواضح أن اجتماع مجموعة «العشرين» كان مناسبة مهمة لرئيس الوزراء الهندي، ليس فقط للتواصل مع الدول على صعيد العلاقات الثنائية، وإنما لطرح الآراء المتعلقة بالقضايا الاقتصادية أمام قادة دول العالم، خصوصاً في ظل وجود اختلافات جوهرية بشأن القضايا التجارية والتغير المناخي وأسعار النفط الخام التي تؤثر مباشرة على الاقتصادات التي تعتمد على استيراد الطاقة بشكل كبير مثل الهند.
ولطالما كانت الهند من بين المدافعين بوضوح عن الاقتصادات الناشئة ولعبت دوراً مهماً في التعبير عن مخاوف هذه الاقتصادات بشأن القضايا العالمية، خصوصاً في المنتديات التعددية مثل مجموعة العشرين.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي