يعتبر المخ البشري من أكثر الأشياء تعقيداً، ليس فقط بين أعضاء الجسم الأخرى، وإنما في الكون كله، ومن دون منازع. فهذا العضو الحيوي الذي يبلغ وزنه ما بين 1.2 و1.4 كيلوجرام، في الشخص البالغ، يحتوي على 86 مليار خلية عصبية، وما يقارب هذا العدد من الخلايا الداعمة أو المساندة، وبإجمالي أكثر من 170 مليار خلية من مختلف أنواع الخلايا. ويبلغ مدى تعقيد المخ، درجةَ أن الطب الحديث لا زال عاجزاً عن فهم كيفية أدائه للعديد من وظائفه، بما في ذلك الوظائف الأساسية، مثل التفكير، والذاكرة، والنوم، بل في الحقيقة لا تزيد معلوماتنا عن كيفية أداء المخ لهذه الوظائف عما كانت عليه قبل قرن مضى.
إحدى تلك الوظائف –أو بالأحرى النشاطات- التي يقوم بها المخ، ولا زالت مستعصية على الفهم، هو ما نطلق عليه الأحلام. والمقصود هنا بالأحلام، هو الصور المرئية، والأصوات السمعية، والأفكار، والمشاعر، والأحاسيس، التي تمر على النائم خلال مرحلة معينة من النوم، وليس الآمال والأماني التي يصبو المرء لتحقيقها. ومرحلة النوم المقصودة هنا، هي مرحلة «حركة العين السريعة»، وكما يدل اسمها، تتميز هذه المرحلة بحركة سريعة للعينين يميناً ويساراً، ويبلغ خلالها نشاط المخ ذروته، وبدرجة تقارب مستوى نشاطه في اليقظة. ورغم أن الأحلام قد تحدث في بعض مراحل النوم الأخرى، فإنها غالباً ما تكون أقل قوة ووضوحاً.
ويقضي الشخص العادي، حوالي 6 أعوام من عمره يحلم وهو نائم، أو ما يعادل ساعتين كل ليلة، وغالباً ما تستمر تلك الأحلام لفترة ما بين خمس دقائق إلى عشرين دقيقة. وليس من المعروف حتى الآن، في أي من مناطق المخ تنشأ الأحلام، وإذا ما كان مصدرها جزءاً محدداً من المخ، أو عدة أجزاء تعمل معاً في تناغم وتناسق، لتنتج الحلم في النهاية، كما أنه ليس من المعروف الهدف من الأحلام، أو الغاية منها.
ويعتبر الطبيب النمساوي الشهير «سيجموند فرويد»، مؤسس علم النفس التحليلي، من أكثر المساهمين في محاولات فهم طبيعة ووظيفة الأحلام، من خلال بحوثه وكتاباته في أوئل القرن العشرين، والتي ربما من أشهرها كتابه «تفسير الأحلام». من خلال هذه الكتابات والبحوث، شرح «فرويد» الأحلام على أنها تعبيرات عن رغباتنا الدفينة، وعن ما يسبب لنا القلق والتوتر، وهي المشاعر التي غالباً ما تكون مرتبطة بذكريات طفولة مكبوتة ومكبوحة، أو وساوس تسيطر على حياتنا حالياً. كما اعتقد فرويد أن جميع مواضيع الأحلام، وبغض النظر عن محتوياتها، تمثل نوعاً من التوتر الجنسي. وبناءً على هذه المفاهيم، طوَّر فرويد أسلوباً نفسياً يتم من خلاله تفسير الأحلام، كما أسس لمجموعة من الإرشادات للمساعدة على فهم الرموز والأفكار والمواضيع التي تتضمنها أحلامنا.
وفي وقتنا الحالي ينظر إلى الأحلام على أنها صلة أو جسر للاوعي، ويتراوح مداها بين الطبيعي والمعتاد والغريب والسريالي. وتتعدد وتتنوع طبيعة الأحلام، فمثلاً يمكن أن تكون مخيفة، أو ساحرة، أو حزينة وكئيبة، ويمكن أن تمتلئ بالمغامرة والتشويق، أو بالمشاعر والرغبات الجنسية المباشرة. وأحياناً ما تتسبب الأحلام في الإبداع ونشوء فكرة في عقل الشخص الحالم، أو تمنحه الإلهامَ والقدرة على الخروج خارج التفكير النمطي المعتاد.
وتظهِر الدراسات العصبية البيولوجية أن في مرحلة النوم التي تقع فيها الأحلام، أو مرحلة حركة العين السريعة، يتم تثبيط إنتاج الموصلات العصبية الكيميائية، مثل «النور-إيبي-نفرين»، و«السيروتينين»، و«الهستامين». ويعتقد بعض العلماء أن القشرة المخية الأمامية، أو الجزء من المخ المسؤول عن استخدام المنطق والتخطيط في حالة اليقظة، يتراجع نشاطه بشكل واضح خلال الأحلام، وهو ما قد يفسر حقيقة أن الشخص النائم لا يدرك أن ما يراه ويسمعه ويشعر به، هو مجرد حلم، لا علاقة له بالواقع.
ويأمل كثير من المختصين أن يزداد فهمنا وإدراكنا لطبيعة ووظيفة الأحلام، إذا ما زاد فهمنا وإدراكنا لطبيعة ووظيفة النوم من الأساس. لكن رغم أن الشخص العادي يقضي أكثر من ثلث عمره نائماً، بمعدل 8 ساعات في المتوسط خلال اليوم الواحد، فإن المفارقة أنه على الرغم من ضخامة الاختراقات التي حققها الطب الحديث في مجالات مختلفة، مثل زراعة الأعضاء وأطفال الأنابيب وأبحاث الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ.. فإن العلوم الطبية خلال القرن الحادي والعشرين ما تزال عاجزة عن فهم طبيعة النوم، وماهيته، ووظيفته بالتحديد.. فالتعريفات المتاحة حالياً حول النوم لا تزيد على كونها تعريفات توصيفية، أكثر منها إدراكية وتفسيرية.