خسر حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم في الهند السلطة في ثلاثة ولايات رئيسة هي «راجاستان» و«تشاتيس غره» وو«مادهيابراديش»، وبذلك مُني رئيس الوزراء «ناريندرا موي» بهزيمة، هي الأكبر، منذ توليه السلطة في 2014، وهو ما يعزز فرص المعارضة قبيل الانتخابات العامة المزمع عقدها العام المقبل.
وكان «مودي» تولى السلطة على خلفية انتصار كاسح أعقبه الفوز بأغلبية في انتخابات الولايات. غير أن صورة الحزب الذي لا يُهزم تبددت بعد الخسارة في جميع الولايات الخمس التي شهدت انتخابات خلال الشهر الجاري، فيما وصف بأنه أكبر هزيمة انتخابية للحزب الحاكم خلال الأعوام الأخيرة.
ومن بين الولايات الخمس، كانت هناك ثلاث ولايات تشكل معقلاً لحزب «بهاراتيا جاناتا»، إذ كان يحكمها منذ أكثر من عقد. وشكّلت هذه النتائج دعماً لـ«راهول غاندي»، رئيس حزب «المؤتمر»، الذي كان يحاول تشكيل تحالف واسع النطاق مع أحزاب سياسية محلية، أملاً في أن يضع «مودي» أمام تحدٍ حقيقي. والهزيمة هي مؤشر على أن هناك رياحاً معاكسة تتحرك ضد حزب بهاراتيا جاناتا، في وقت حرج قبيل الانتخابات العامة، المزمع انعقادها في غضون ستة أشهر.
وخسارة الحزب الحاكم لصالح حزب المؤتمر في الولايات الثلاثة على رغم من أنه كان الأقوى فيها هو أيضاً مؤشر واضح على أنه يتجه إلى حالة من الاضطراب السياسي، إذ أشار التصويت في هذه المجموعة المهمة من الانتخابات إلى غضب الفلاحين، وقضية البطالة وفوق كل ذلك أدى العجز عن كبح جماح عناصر اليمين المتطرف ومنعهم من ارتكاب جرائم شنيعة، إلى الإضرار بالحزب. وعلاوة على ذلك، تباطأ القطاع الزراعي تباطؤاً كبيراً، فلم يحقق نمواً سوى بنسبة 2 في المئة، بينما تواجه الحكومة الآن مطالب بإعفاءات من سداد القروض في خضم أزمة المزارع المتفاقمة.
وإضافة إلى الإخفاق في توفير عشرات الملايين من فرص العمل للشباب، وهو وعد كان قد ساعد الحزب في الحصول على أكبر تفويض انتخابي في ثلاثة عقود، عجز «مودي» عن الوفاء بالوعود التي قطعها في حملته الانتخابية عام 2014. ومن بين الأمور الأخرى التي أضرت أيضاً بالحزب قرارات مثل سحب العملات الكبيرة من التداول في عام 2016، على نحو أدى إلى سحب السيولة من النظام وأجج مشكلات في قطاعات مختلفة. ومن القضايا الأخرى التي أثرت على الحزب التطبيق الهزيل لضريبة الخدمات والسلع، التي وحدت الضرائب في الأسواق، لكن أدى إلى كثير من المشكلات بسبب العجلة في تطبيقها.
وفي هذه الأثناء، تسلط هزيمة «بهاراتيا جاناتا» الضوء أيضاً على الغضب في المناطق الريفية من الحكومة، حيث يعيش هناك أكثر من ثلثي سكان الهند البالغ تعدادهم 1.3 مليار نسمة. وقد ارتكب الحزب خطأ جسيماً بتركيز حملته الانتخابية على مواضيع حزبية، مثل بناء معبد هندوسي في موقع متنازع عليه مع المسلمين، بدلاً من توفير فرص العمل وتعزيز النمو. ونسي الحزب قضية التنمية التي ساعدت «مودي» على الفوز في انتخابات 2014.
وفي الوقت ذاته، يعتبر الانتصار في الولايات الهندية الثلاثة الكبرى بمثابة دعم كبير لحزب «المؤتمر» وقائده «راهول غاندي»، الذي يسعى لتعزيز زخمه السياسي، بعد أن واجه في السابق هزائم انتخابية متكررة في انتخابات الولايات. وكثيراً ما واجه انتقادات بأنه ليس لديه حضور سياسي وبأنه يعيش في ظلال أسرته الشهيرة. غير أن الفوز في تلك الولايات منح سليل الجيل الرابع من أسرة نهرو غاندي، التي قدمت للهند ثلاثة رؤساء وزراء، ثقة كبيرة.
وما أفضى إلى هزيمة «بهاراتيا جاناتا» في معقله بهذه الولايات كان اعتقاده واقتناعه بأن جموع الناس قد اعتنقت أيديولوجيته اليمينية. لكن نتائج الانتخابات أظهرت أن الناخب يأخذ في اعتباره عند الإدلاء بصوته، فرص العمل وظروف المعيشة الأفضل وليس أيديولوجيات الحزب وبعض ما يتم طرحه من عنف وكراهية على أساس المذهب أو العرق أو الدين.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الحزب الحاكم بالتركيز على توسيع قاعدة ناخبيه خارج منطقة شمال الهند التقليدية إلى شرق وجنوب الهند، على أساس أجندته اليمينية، كان راهول غاندي مشغولاً بتشكيل ائتلاف من الأحزاب السياسية التي تعارض حزب «مودي».
وقد أتت جهود «غاندي» أكلها، وعززت حظوظ حزبه، وبدأ «المؤتمر» في تعزيز مكاسبه والتواصل مع المزارعين. وبمجرد الفوز، أعلن «غاندي» أن المزارعين في هذه الولايات سيحصلون على إعفاءات من القروض مثلما وعد حزبه أثناء الحملة الانتخابية. ومن الواضح أن الساحة السياسية تزداد حماسة قبيل الانتخابات العامة، لكن هزيمة الحزب الحاكم في الولايات الخمس تؤكد أن الشعارات وحدها لن تجدي، وأن على «مودي» بذل مزيد من الجهد من أجل الإبقاء على المكاسب التي حققها حزبه.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي