تبدو الحكومة الصينية حائرةً بشأن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى أن تطلب من كندا توقيفَ مديرة شركة صينية رفيعة المستوى، ما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين بُعيد أيام قليلة على اتفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ على هُدنة تجارية أثناء قمة العشرين في الأرجنتين. ويبدو أن الصين لم تُدرك بعد أن المواجهة الاقتصادية هي مسألة أمن قومي بالنسبة للولايات المتحدة، وأنها قد بدأت للتو.
ووفق مسؤولين وخبراء أميركيين، فإن المسؤولين الصينيين سعوا جاهدين هذا الأسبوع إلى فهم السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب تجاه الصين. وكانت حيرةُ الصين قد ظهرت مع إرسال ترامب لتغريدات على تويتر تضمنت أشياءَ مشجعة ثم أشياءَ غير مشجعة بشأن اجتماع الأرجنتين. ثم ازدادت حيرةُ بكين أكثر بعد الإعلان عن توقيف كندا للمديرة المالية لشركة هاواوي «منغ وانزهو» بطلب من وزارة العدل الأميركية، ذلك أن الصينيين يعتقدون أنَّه من غير الممكن أن تشتغل الولايات المتحدة على مسارين مختلفين بخصوص الموضوع الجوهري نفسِه. ولكن هذا بالضبط ما حدث هذا الأسبوع، كما قال لي بعض المسؤولين. فإذا كانت المفاوضات التجارية قد بدأت بين البلدين على المستوى السياسي، فإن إنفاذ القانون الأميركي كان يشتغل على توقيف «منغ»، واتفق أن حدث الأمران في الوقت نفسه تقريباً.
ويقول «ديريك سيزرز»، زميل «معهد المشروع الأميركي» في واشنطن: «إن ما نراه حالياً هما الحركتان المتوازيتان للحكومة الأميركية»، مضيفاً «فجزء من الإدارة يريد سياسة مختلفة كلياً بخصوص الصين عن الجزء الآخر من الإدارة». غير أن هذا لا يعني أن الجهازَ البيروقراطيَ كان يعمل ضد ترامب. فالرئيس الأميركي أعطى وكالات إنفاذ القانون الأميركية تعليمات واضحة من أجل القيام بما كانت تريد القيام به منذُ وقت طويل، ألا وهو منع التجسس الصيني. صحيح أن «شي» استطاع انتزاع معروف شخصي متمثلًا في إقناع ترامب بالتراجع عن معاقبة شركة «زي تي إي»، وهي عملاق تكنولوجيا صيني آخر متهم بجرائم. ولكن ذلك مثّل استثناءً واحداً فقط.
توقيف «منغ»، استناداً إلى ادعاءات تفيد بانتهاك هواوي للعقوبات الأميركية على إيران، هو جزء من سلسلة من التدابير التي اتخذتها وزارة العدل الأميركية في الأشهر الأخيرة لمواجهة الجرائم الاقتصادية الصينية. ففي أكتوبر الماضي، تم توقيف مسؤول صيني في بروكسيل بناءً على اتهامات جنائية أميركية بمحاولة سرقة أسرارٍ من متعاقدين أميركيين في مجال الدفاع.
وفي الأثناء، تخوض الحكومة والكونجرس الأميركيان حملةً واسعةً لمنع هواوي من أن تشكّل تهديداً للأمن القومي الأميركي. ذلك أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لطالما اشتبهت في إمكانية أن يُساء استخدام تكنولوجيا هواوي من قبل الحكومة الصينية.
وفي مأدبة عشاء في واشنطن، قال وزير التجارة الأميركية «ويلبر روس» إن التسعين يوماً المقبلة ستحدد ما إن كانت إدارة ترامب ستكون قادرة على التوصل لاتفاق شامل مع بكين أو سترغَم على التصعيد أكثر. وقال في هذا الصدد: «إننا متفائلون ونعتقد أنهم جادون، وإذا كانوا كذلك، فنحن بكل تأكيد جادون»، مضيفاً «أما إذا لم يكونوا كذلك، فإن شيئاً آخر سيحدث».
ولهذا، فالسؤال المهم هو: ما المقصود بـ «جادين»؟ بعض المسؤولين المقربين من «وول ستريت»، مثل وزير الخزانة «ستيفن منوتشن» ومدير المجلس الاقتصادي الوطني «لاري كادلو»، ينظرون إلى المحادثات التجارية باعتبارها تتعلق بفتح الأسواق الصينية ومعالجة العجز التجاري بشكل رئيسي. ويريدون أن يقدم «شي» لترامب تنازلات بخصوص حبوب الصويا أو دخول السيارات الأميركية للسوق الصينية، من أجل رؤية ما إن كان ترامب سيعقد اتفاقاً محدوداً جداً.
وفي الأثناء، يولي «صقور» الأمن القومي مثل مستشار الأمن القومي «جون بولتون»، وقوميون اقتصاديون مثل مستشار البيت الأبيض في التجارة «بيتر نافارو»، الأولويةَ لمسألة الملكية الفكرية من قبل الصين، والنقل القسري للتكنولوجيا، وتهديد إدماج التكنولوجيا الصينية ضمن الشبكات التي يعتمد عليها الجنود الأميركيون أو جنود الحلفاء عبر العالم كله.
ويريدون من الصين أن تقوم بتغيير جذري لسياستها الصناعية العامة والمتمثلة في مساعدة شركات التكنولوجيا الوطنية على التوسع على الصعيد العالمي بأي ثمن، وهزم منافسيها الأميركيين والأوروبيين. وترامب يريد الأمرين كليهما. غير أن بكين لم تعترف بالمشاكل البنيوية الأكبر، ناهيك عن أن تعالجها. ولهذا، فإن الأرجح هو أن الهدنة التجارية بين ترامب و«شي» ستنتهي بعد تسعين يوماً من الآن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»