في قرار مفاجئ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 19 ديسمبر عن سحب قوات بلاده من سوريا عبر تغريدة على حسابه على تويتر قال فيها: «لقد ألحقنا الهزيمة بـ(داعش)، وكان هذا السبب الوحيد لوجودنا هنا».
بعد ثلاث سنوات من تواجد القوات الأميركية ونحو ثماني سنوات من الحرب السورية، تشير التقديرات إلى إن انسحاباً أميركياً متسرعاً من شمال شرق سوريا قد يدفع بالقوى المتنافسة لتصعيد الصراع سعياً لتحقيق امتيازات آنية. لكن المقلق بشكل خاص ليس فقط احتمال نشوء اضطرابات أكبر، بل المدى الذي تدفع به الحسابات الآنية لكل من الأطراف المعنية: «وحدات حماية الشعب» الكردية وحلفاؤها داخل «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً، ونظام بشار الأسد وحليفتاه (إيران وروسيا)، وأخيراً تركيا. إن عدم وجود اتفاق مسبق بين تلك الأطراف قد يهدد بنشوء صراع متصاعد. فما هو تأثير الانسحاب الأميركي على الصراع في سوريا؟ وما الآثار التي قد تترتب على ذلك؟ ومن الرابح ومن الخاسر من الانسحاب الأميركي؟ ومن سيملأ الفراغ؟ ومن يملك القدرة على إرساء الاستقرار هناك؟
بدأ تدخل القوات الأميركية في سوريا أواخر عام 2015، ليصل تعدادها رسمياً إلى 2000 جندي من قوات العمليات الخاصة يتمركزون في قواعد عسكرية بمناطق في شرق وشمال البلاد، وبالتحالف مع ميليشيات محلية وفصائل معارضة للنظام، ضد تنظيم «داعش»، هي «وحدات حماية الشعب» الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» التي هي تجمع لقوات عربية وكردية. وأدت الشراكة بين التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن وهذه القوات على مدى الأعوام الماضية إلى هزيمة «داعش» في سوريا، لكنها أغضبت تركيا التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية، الموجودة ضمن التحالف، امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يشن تمرداً مسلحاً على أراضيها. لقد أدت الحرب في سوريا والحملات التي تم شنها بدعم من الولايات المتحدة ضد «داعش» في شمال سوريا، منذ عام 2014، إلى تغيير التوازن الجيوسياسي في الشمال الشرقي لسوريا، حيث سيطرت «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» على معظم الأراضي السورية التي كانت خاضعة لسيطرة «داعش»، أي نحو 30% من سوريا، بما في ذلك معظم نفطها، وجزء كبير من حدودها مع تركيا. وأدت السيطرة الكردية الواسعة إلى تدخل عسكري تركي؛ بدايةً بحجة محاربة «داعش» في المناطق الحدودية المتاخمة لمناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب»، حيث شنت القوات التركية هجوماً ضد و«حدات حماية الشعب» في عفرين.
وبخصوص ردود الفعل على إعلان ترامب، فقد عبر حلفاء واشنطن الغربيين عن عدم رضاهم عن القرار الأميركي، مؤكدين أن تنظيم «داعش» لم يهزم وما زال موجوداً في سوريا. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته ستدرس القرار الأميركي، وهي تعرف كيف ستدافع عن نفسها. وعلى الطرف المقابل، رحبت روسيا بالقرار الأميركي، كما رحب به الرئيس التركي أردوغان. أما «قوات سوريا الديمقراطية» فقالت في بيان لها إن «قرار البيت الأبيض الانسحاب من سوريا سيسمح لتنظيم (داعش) بالانتعاش وسيهدد المعركة في شرق سوريا». وأضاف البيان أن ذلك سيؤدي إلى «خلق فراغ سياسي وعسكري في المنطقة وترك شعوبها بين مخالب القوى والجهات المعادية».
وبالتأكيد فإن لانسحاب الأميركي سيصب في مصلحة حلفاء الأسد العسكريين في المنطقة، وسيزيد من إحكام سيطرتهم على المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة أميركا وحلفائها. أما الأكراد فقد خسروا رهانهم على الحليف الأميركي الذي تركهم بين مطرقة تركيا وسندان النظام السوري.
إن الفوضى الناجمة عن الانسحاب الأميركي المتسرع يمكن أن تغرق شمال شرق سوريا في حرب جديدة.