الاحتجاجات التي هزت عاصمتين أوروبيتين في الآونة الأخيرة، شديدة الدلالة في قصة بدأت بالغضب الشعبوي والشعور المعادي للمهاجرين ووصلت أحداثها إلى الإحباط من واقع يزداد سلطوية. فقد عارض خمسة آلاف محتج من الجناح اليميني في بروكسل قرار الحكومة التوقيع على اتفاقية للهجرة توسطت فيها الأمم المتحدة. وشهدت الاحتجاجات بعض مظاهر العنف واستخدمت الشرطة مدافع المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين الذين رشقوا الشرطة بأحجار الأرصفة وحاولت مجموعة منهم اقتحام مكاتب المفوضية الأوروبية.
وفي بودابست، تحدى نحو 15 ألف شخص الطقس شديد البرودة وخرجوا يحتجون على قوانين جديدة سنتها حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان. وأحد هذه القوانين تمثل في إقامة محكمة موازية تمكن الحكومة من السيطرة على القضاء. واحتج المتظاهرون أيضاً على مشروع قانون يجعل من حق أصحاب العمل مطالبة العمال بالعمل لما يصل إلى 400 ساعة إضافية في العام لتعزيز الإنتاجية. واستمرت الاحتجاجات في العاصمة المجرية واستهدفت مقر محطة التلفزيون التي تعتبر لسان حال الحزب الحاكم.
في المثال البلجيكي، نشهد غضباً قومياً أصبح يصبغ جانباً كبيراً من سياسات أوروبا. وفي المثال المجري، نشهد تراكم القلق من حكومة شديدة القومية استخدمت الخطاب الشعبوي لتسوغ السياسات التي تقوض الديمقراطية المجرية. وفي الغرب، حظي المثال الأول باهتمام كبير في السنوات القليلة الماضية، لكن المثال الثاني هو ما قد يعكس معركة سياسية تختمر في القارة.
وبدأت الاضطرابات في بلجيكا، حين سافر رئيس الوزراء شارل ميشال الذي يقود ائتلافاً حاكماً من يمين الوسط إلى مدينة مراكش المغربية لتوقيع اتفاقية أممية بشأن الهجرة مع أكثر من 150 دولة أخرى، لتشجيع تعاون دولي أكبر في مجال الهجرة. لكنها ليست اتفاقية رسمية وغير ملزمة بالمرة. والأمم المتحدة لا تفرض بها سياسات في الهجرة على الدول حول العالم. بيد أن الأحزاب المناهضة للهجرة في أوروبا والبيت الأبيض حاولوا وصف الاتفاقية بما ليس فيها.
وإذا كان الوضع في بروكسل يوضح قوة المشاعر المناهضة للمهاجرين في أوروبا، فما يحدث في المجر يعزز الشعور بأن معظم الأوروبيين لديهم مشكلات أكثر أهمية. فلا أحد من الزعماء الأوروبيين يتفوق في معاداة المهاجرين على أوربان الذي يترأس حكومة بلاده منذ عشر سنوات. لكن الاحتجاجات المتصاعدة المعادية لحكومته توحي بأن المعارضة المحبطة والتي تشعر بالمرارة قد تستطيع القضاء على تضخم قومية أوربان.
ومن غير الواضح ما عساه يحدث فيما بعد، لكن الانتخابات الأوروبية العام المقبل قد تمثل اختباراً في طائفة كبيرة من القضايا، تمتد من الهجرة ومدى الرضا عن الاتحاد الأوروبي إلى القلق من تآكل حكم القانون. وينظر أوربان والشعبويون من الجناح اليميني في الغرب، إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كقلاع نائية لبيروقراطيين غير منتخبين لا يألون جهداً في تقويض سيادة الدول والأمم.
لكننا قد نشهد حدود ما يستطيع هذا التحدي الشعبوي تحقيقه سياسياً. والمفارقة أن الهجرة التي يرى فيها أوربان مشكلة، قد تمثل جزءاً من حل مشكلات بلاده، وإصلاح قوانين العمل المجرية التي أثارت هذه الاحتجاجات تمثل رد فعل على أزمة أكبر في التركيبة السكانية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»