من بلاء الدنيا تطاولُ الصغار على الكبار، وهو بلاءٌ مقيم يقوده سفلةُ الناس على مرِّ الأزمان ضد الأكابر وعِلية القوم، وحين يكون الكبير المعتدَى عليه ميتاً فإن التعدي عليه يكون موغلاً في الضَّعة وقلَّة الدين والمروءة.
مما تميّزت به العرب طوال تاريخها حفظُ الذمام ومكارمُ الأخلاق، ومعرفة قدر الكبير وذكرُ محاسن موتاهم، ولم يكن كاتب هذه السطور يحسب يوماً أن الشِّرذمة الصغيرة جداً التي تحكم قطر يمكن أن تتطاول على اسم الشيخ زايد رحمه الله، ولكنهم أثبتوا بالقول والفعل أنهم قادرون دوماً على الوصول إلى قيعانٍ لم يرتدها أحدٌ قبلهم في الوضاعة وقلة الأدب.
مع عجز قطر الظاهر بعد المقاطعة العربية الرباعية عن إيجاد أي مَخرجٍ من أزمتهم، فإن المنضوين في هذه الشرذمة تخبّطوا خبطَ عشواء فبدلاً من الطريق السهل الذي يعيدهم لصفهم الخليجي والعربي اختاروا الطريقَ الأصعبَ، وركبوا كل شرٍّ، وتحالفوا مع كل عدوٍ وسلّموا بلادهم للأعاجم من فرسٍ وتركٍ يتحكمون في بلادهم ويرقص «حمر الطرابيش» في ساحات عاصمتهم رقصة المحتلّ الغاشم، فاختاروا إذلالَ العجم بديلاً عن عزة العرب.
هذا الموقف المشينُ لا يتحمله كاتبه فحسب بل تتحمّله دولته وقيادته، وسيكون على قطر أن تتوقع الأسوأ مستقبلاً، ولن يجديها أحدٌ من مرتزقتها الذين سيرحلون ويتركونها وحيدةً ليفتشوا عن دولةٍ أخرى ونظامٍ سفيهٍ يمنحهم مأوىً جديداً يعتاشون من ورائه.
إلا زايد الخير، يا ناقص قطر، تجاوزتم الخط الأحمر، فزايد الخير، وحكيم العرب، والمؤسس الكبير لدولة الإمارات، وصاحب الأيادي البيضاء والمواقف التاريخية مع كل الدول العربية بل مع كثيرٍ من دول العالم في كل القارات لن تؤثر في مكانته وقيمته وتاريخه ورمزيته كلمات سفيه ومواقف مجنونٍ مهما بلغت من السفالة واللا أخلاق.
بقدر قلة الأدب وغياب الأخلاق جاءت ردة الفعل واسعة الانتشار ومن كل الشعوب العربية التي استنكرت أن يصل الحال بمعاتِيهِ قطر إلى هذا المستوى الغريب والعجيب، ولكنهم عجزوا عن مواجهة الأحياء الذين حشروهم في أقماع السمسم فقرروا مواجهة الأموات، وهذه أخلاق الجبناء.
العنادُ الاستراتيجي الذي اتبعته قيادة قطر منذ بدء أزمتها الخانقة لم يورثها إلا الإذلالَ والانبطاحَ للأجنبي واستعادة محتلٍ حارب أجدادهم الكرام وقدموا الأبطال والدماء للتخلص منه، والعناد يورث الكفر، ويورث الخزي والعار.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وكبر عارٌ يجللهم وكبرت مهانة يغوصون في وحلها، ومن هنا فهذا خطابٌ للخائن الغادر نفسه، وليس لبعض فروع شجرته الخبيثة، وهذا وصفٌ وليس شتيمةً.
لئن نسي الخائن فضل زايد بن سلطان عليه شخصياً في مطلع حكمه فربما عليه أن يتذكر جيداً زايد الأول وخيوله وفرسانه، وأن يعلم أن في ورثة الفضل فضلاءَ، وفي ورثة المجد أماجدَ، والأيام دول.
الجبناء يرسمون الاستراتيجيات ويخططون فينجحون ويفشلون -مثل غيرهم-ولكنهم عند الفشل يقدمون كل التنازلات ويهربون من المشهد، ويسلمون القيادة لغيرهم من أبنائهم لا زهداً في السلطة بل خوفاً وهلعاً من عاقبة أفعالهم، ومن هناك ولأنهم مهانون مذلُّون يمارسون كل أنواع الإهانة والإذلال لشعوبهم بينما يتمرغون في ذلك الأعاجم، وما هذه بأخلاق القادة ولا سمات الزعماء.
قطر تهوي سريعاً إلى دركٍ بعيدٍ في الوقت الذي تتطور فيه دول الخليج، وتستمر المسيرة بعد قمة الرياض، وصندوق قطر السيادي يهوي معها ويتخلى عن مكانته التي ميزته من قبل، وكل المؤشرات تؤكد أن قطر بسبب العناد الاستراتيجي أصبحت مهددةً وفي خانة الخطر، والجاهلُ من لا يحسب حساب العواقب.
أخيراً، فزايد الخير يعرفه شعبُه، وتعرفُه الشعوب العربية وغيرها من الشعوب التي طالها فضلُه وإحسانه، وبلغها معروفُه وأياديه البيضاء، والقافلة تسير والكلاب تنبح.