عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب الأربعاء الماضي قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، كان لذلك وقع الصدمة على كثيرين في واشنطن. وتشير التقارير إلى أن مسؤولين عسكريين بارزين شعروا بالخداع بسبب القرار المفاجئ، وعلى إثره استقال وزير الدفاع جيمس ماتيس.
وحذّر خبراءُ مكافحة الإرهاب من أن الانسحاب قد يؤدي لعودة تنظيم «داعش» الإرهابي. وأقرّ النقّاد المتابعون للسياسة الخارجية بأن ترامب قدم «هدية الكريسماس لأعدائنا»، لاسيما روسيا وإيران، بعد أن كان الوجود الأميركي في سوريا يكبحهما.
ورغم ذلك، وفي عاصفة تغريدات صباح الخميس الماضي، رفض ترامب هذه الانتقادات، وقال: «بدلاً من أن تقوم واشنطن بدور الشرطي في الشرق الأوسط، يمكن لروسيا وإيران والنظام السوري التعامل مع المتطرفين والأعداء الآخرين بمفردهم». وفي موسكو، أعرب الرئيس بوتين عن موافقته على ذلك.
غير أن هناك قوة أخرى يمكن أن تستفيد من نفاد الصبر الاستراتيجي لترامب، هي تركيا. فإذا انسحبت الولايات المتحدة من سوريا، وأوقفت الضربات الجوية ضد الجماعات المسلحة هناك، سيمثل ذلك تخلياً عن «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالف من المسلحين يشكل وكيل واشنطن على الأرض. وتُسيطر الآن «قوات سوريا الديمقراطية» على أراضي شمال شرق سوريا، وهو أمر لطالما أثار غضب تركيا، إذ إن القوة الرئيسة داخل التحالف هي «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية ذات الروابط بـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا.
وفي بداية العام الجاري، اقتحم الجيش التركي الأراضي السورية، وطرد «وحدات حماية الشعب» من شمال غرب البلاد، ورضخت الإدارة الأميركية. وبعد أن كانت القوات الأميركية تقوم بدوريات مشتركة مع «وحدات حماية الشعب»، بدأت تعمل مع الأتراك. ويعني ذلك أنه إذا انسحبت القوات الأميركية كلياً، فمن المتوقع أن تسعى أنقرة للاستفادة من هذه الفرصة. وهدد وزير الدفاع التركي «هولوسي أكار»، الخميس الماضي، قائلاً إن حكومته «كانت تتأهب لشنّ هجوم من أجل القضاء على (وحدات حماية الشعب) وحلفائها في خنادقهم».
وعلى أكراد سوريا الآن أن يوازنوا بين المعركة الصعبة ضد «داعش» والتهديد الوجودي الجديد. وصرح «مصطفى بالي»، المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلاً: «حتى الآن، لا تزال قواتنا تخوض المعارك ضد الإرهاب، ونفعل ما بوسعنا لمواصلة هذه المعركة، لكن قرار أميركا كان غير متوقع ويدعو للأسف».
ويُعتقد أن الرئيس التركي أردوغان هو من يقف وراء قرار ترامب بصورة مباشرة. وأشارت الصحفية «كارين دي يونج»، في تقرير لها، إلى أن ترامب اتخذ قرار سحب القوات الأميركية من سوريا بعد اتصال هاتفي مع نظيره التركي الجمعة الماضي. وذكرت أن مسؤولين مطلعين على ذلك الاتصال أكدوا أن أردوغان شدد، من بين أمور أخرى، لترامب على أن الأكراد السوريين إرهابيون ومتحالفون مع الانفصاليين الأكراد في تركيا، وسأله عن سبب دعم الولايات المتحدة لهم بدلاً من حليفتها «الناتو» (أي تركيا). وأضافت: «أشار أردوغان إلى أنه تم القضاء على (داعش)، وألمح إلى عدم الحاجة إلى استمرار وجود قوات أميركية، موضحاً أن القوات التركية على الحدود السورية يمكنها التعامل مع أية مشكلة هناك». ومن الواضح أن ترامب، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بإعادة القوات الأميركية إلى الوطن، كان متلهفاً لاتباع نصيحة أردوغان.
لكن ما شكل الهجوم الذي ستشنه تركيا؟ وهل سيكون عملية محدودة تهدف لإنشاء منطقة آمنة جديدة في سوريا، أم حملة تهدف للقضاء تماماً على «قوات حماية الشعب» الكردية؟
خلال الحرب السورية، كانت تركيا مُتدخّلا غير موفق. وعندما كان أردوغان يميل إلى التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، سمح تكتيكياً بدعم قوات المعارضة والجماعات المتشددة التي تحارب النظام، لكن السحر انقلب على الساحر في صورة هجمات إرهابية داخل الأراضي التركية، وملايين اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود بحثاً عن ملاذ آمن. وأدى التدخل الروسي في الحرب عام 2015 إلى تبديد أية آمال تركية في توجيه دفة الأمور.
ومنذ ذلك الحين، تصالح أردوغان مع بقاء الأسد في السلطة، وربما يمكنه الآن الحفاظ على بعض التأثير طالما أحكم الأسد قبضته.
والبديل الآن أمام أكراد سوريا أن يتصالحوا مع نظام الأسد، وأن يتخلوا عن طموحات الحكم الذاتي، مقابل حماية أي طرف يقيهم شرّ الدمار. ولو أن ترامب أدرك هذه التداعيات قبل إعلان انسحابه، ما كان سيعلنه بالتأكيد!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»