أكّد الدستور الإماراتي براءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة، وعلى حقه في توكيل مَن لديه القدرة على الدفاع عنه. وامتثالاً لنصّ الدستور، أوجب القانون تعيين المتهم محامياً يدافع عنه في الجرائم المعاقَب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، وإذا لم يفعل لأي سبب، ندبت المحكمة بنفسها محامياً يدافع عنه. وإذا كانت عقوبة الجريمة السجن المؤقت، يطلب المتهمُ ندبَ محامٍ له، وتستجيب المحكمة لطلبه بعد التحقق من عدم قدرته على ذلك. وتبطل المحاكمة –في هذه الأحوال- إذا لم يكن للمتهم محام يدافع عنه.
هذا هو الأساس القانوني لمسألة المحامي المنتدب الذي يتم اختياره، وفقاً للدور ضمن جداول المحامين، ويعطيه القانون حق الاعتذار، وإذا قبلت المحكمة عذره انتدبت التالي في الدور. وفي حين أن العلاقة تعاقدية بين المحامي العادي وموكله، تنظر المحكمة من تلقاء نفسها في أداء المحامي المنتدب، إذ عليه أن يدافع عن المتهم كما لو كان قد أوكله بنفسه. وهو ملزمٌ تحت طائلة الغرامة بحضور كافة جلسات المحاكمة، فضلاً عن محاكمته تأديبياً لو خالف واجبات المهنة. كما لا يجوز له إنابة غيره من المحامين لحضور أي جلسة أو متابعة أي إجراء، بحسب اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون تنظيم المهنة.
أما حقوقه، وهذا موضوع المقال، فتقتصر على تحمّل الدولة مقابلاً مادياً للجهد الذي بذله، وهذا المقابل تقدّره المحكمة بلا أي مراجعة في تقديرها. ورغم عدم وجود حد أعلى وأدنى لذلك المقابل، فقد جرى العمل على أن يتراوح بين 500 و3,000 درهم. وهنا لابدّ من إعادة النظر في تقدير هذا الجهد لئلا يصبح الانتدابُ حملاً ثقيلاً، ذلك أن هذا التقدير كان مناسباً قبل 30 سنة، ولم يعد كذلك اليوم، بعد أن تضاعفت الرواتب، وارتفعت تكاليف المعيشة، وزادت المصاريف الإدارية والتشغيلية للمهنة.
ونحن حين نتحدث عن قضايا الانتداب، فإننا نتحدث عن قضايا يطول فيها أمد المحاكمة وتعقد فيها الكثير من الجلسات، يُلزم خلالها المحامي بالحضور والدفاع، ثم يقدّر جهده بمبلغ بسيط، رغم أنه خبير قانوني يبذل جهداً ويصرف وقتاً أكبر من الخبير الفني الذي تندبه النيابة العامة، كما في قضايا الاحتيال التي تحتاج إلى خبير محاسبي، إذ تقدّر أتعابه بمبالغ تتراوح بين 10,000 و50,000 درهم، تدفعها له النيابة العامة، أو المتهم إذا كان هو من طلب رأي الخبير.
وليس التقدير المادي وحده الذي يضمن أداء نظام الانتداب الغاية منه، فثمة تقدير معنوي قد يتمثل في حصوله على معاملة تفضيلية عن بقية المحامين، كتقديم النظر في قضيته، وتلبية الطلبات التي يقدمها فيها، وعدم تحميله رسومها على أقل تقدير. وحبذا أيضاً إعادة النظر في جداول المحامين على قائمة الانتداب، فثمة محامين لا يباشرون القضايا الجنائية أساساً، وينصب عملهم على مجالات أخرى. وندب محامٍ لا خبرة له في القضاء الجنائي يفقد نظام الانتداب الغاية منه.