التسامح علامةٌ حقيقيةٌ للتحضر، وقيمةٌ عظيمةٌ للإنسانية، ونشره ورعايته والعناية به هي أسمى ما تسعى إليه الدول وتتعب في الوصول إليه الأمم وتفرح به الشعوب والأفراد، فبدون التسامح ترجع الشعوب القهقرى وتسير إلى الخلف وتعود للصراعات الدينية والطائفية والمذهبية، والمنطقة شهدت على مدى عقودٍ ارتكاساً حضارياً على يد جماعة الإخوان وتعزز ذلك بعدما كان يعرف زوراً بالربيع العربي.
فضلاً عن رؤى القادة، ووعيهم المتقدم، وسعيهم لبناء الأفضل وامتداد رؤيتهم المستقبلية فلدى الإمارات قاعدة صلبة لتعزيز التسامح ونشره، غرسها الشيخ زايد رحمه الله وعززها أبناؤه من قيادات الدولة، حتى أصبح لدى دولة الإمارات وزارة للتسامح وهيئات وجوائز ومؤسسات معنية بالتسامح ونشره وافتراع آفاق جديدةٍ له، وهي سياسة ثابتة للإمارات، ولولا التسامح والقدرة على التجاوز وأولية النهوض والتنمية والنظر للمستقبل لما تأسست الدولة الكونفدرالية الأنجح عربياً وإقليمياً، ولما بنى النموذج الحالي الذي ينظر له دولياً بشكل مبهرٍ.
قبل عامين ونيف وفي عام 2016 كان ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في زيارة رسمية للفاتيكان وفي مطلع العام الجديد 2019 وفي الشهر الثاني تحديداً سيزور بابا الفاتيكان أبوظبي، وستكون زيارة مشهودة وتاريخية، وهي تأكيد للمؤكد واستمرار على النهج وترسيخ للمبدأ، حيث إن التسامح يعتبر قاعدة ثابتةً في دولة الإمارات، رسخه الآباء والأجداد واستمر عليه الأبناء وسيرويه الأحفاد.
في دولة الإمارات جنسيات وأديان وطوائف ومذاهب من شتى أنحاء العالم، حتى أنها تتفوق على ما تعترف به الأمم المتحدة نفسها بالنسبة للعدد، وفي دولة الإمارات وزارات ومؤسسات وهيئات حكومية وخاصة تدفع باتجاه بناء نموذجٍ إماراتيٍ ذي طابعٍ عالمي لمحاربة التطرف والأصولية وبناء قواعد للتسامح تناقض كل ما يمثله الإرهاب والتطرف والأصولية.
مجلس لعلماء المسلمين، ومجالس شبيهةٌ، «مركز هداية الأممي» ومقره أبوظبي، ومركز «صواب»، وعشرات الهيئات والمؤسسات والرموز التي تدفع جميعاً باتجاه التسامح كقيمةٍ عالميةٍ من جهةٍ ولكنها إماراتية المنشأ.
نهايات الأعوام وبدايتها لحظات يتم فيها جرد وتدقيق، تجاه وعود الماضي ووعود المستقبل، واستحضار ما تم تقديمه والنجاح فيه وما تم تأخيره أو تعديله، الماضي لن يعود ولكنه يمنح الدرس وتؤخذ منه العبرة وتتراكم به الخبرة، وهذا كله يصب في صناعة الغد وبناء المستقبل.
ليس للتسامح حدٌ بل هو فضاء مفتوح يمكن للناس الاتجاه إليه بكل طريقٍ والوصول إليه من أكثر من دربٍ، ووضعه أولويةً كبرى يعني اتجاه الدول والشعوب لمزيد من التحضر والرقي الإنساني، ومشكلة التسامح هي أنه ظلّ لأسباب كثيرةٍ على هامش الخطابات الأكثر انتشاراً في العالم العربي.
غيّبته الخطابات اليسارية والخطابات القومية ثم قضت عليه قضاء مبرماً خطابات جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان عن وعي وسبق إصرارٍ وترصدٍ، ذلك أن نشر التسامح كمفهوم وأخلاقٍ يعني بالضرورة القضاء على هذه الخطابات لأنه يمثل النقيض المقابل لها ولكل مفردات خطابها.
قد يعترض البعض بأن في خطابات بعض هذه الجماعات بعض المرونة والتسامح وهذا صحيح ولكنّه لا يعني نفس المفهوم العام المتعارف عليه، بل هو مثل غيره من المفاهيم مجرد خادم لطموح الوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها، وليس أدلّ ولا أبلغ في الدلالة على ذلك من نماذج حكم الدول التي وصلت هذه الجماعات لسدة الحكم فيها، سواء في إيران أم السودان أم في أفغانستان أم حكم جماعة «الإخوان» الأم في مصر، فبمجرد ما تسلموا السلطة تنكروا لكل هذه الأجزاء المرنة من خطاباتهم والتجأوا للديكتاتورية المقيتة.
أخيراً، فأمامنا عامٌ كاملٌ تنعم فيه الإمارات بالتسامح والمحبة والخير.
وكل عامٍ وأنتم بخير.