عثر عمال مطار بوسطن على حقيبة تخصّ «محمد عطا»، أحد الذين نفذوا عملية 11 سبتمبر، إذ لم يقدّر للحقيبة أن تكون معه في الطائرة التي استخدمها في ضرب مبنى مركز التجارة العالمي. ووُجد بداخل الحقيبة ورقة تتضمن تعليمات للخاطفين بالسمع والطاعة والثبات. وتبيّن بعد ذلك أن الورقة بخط «عبدالرحمن العمري»، الذي رافق «عطا» في اليومين الأخيرين ولقي حتفه معه. والمهم أن كاتب الورقة ختمها بعبارة: «وإذا مَنَّ الله على أحدكم بالذبح، فلْيَنْوِها عن أبيه وأمه، فإن لهما حقاً عليه».
وفي مكان آخر من العالم، قالت والدة الشرطي التركي «مرت»، الذي اغتال السفير الروسي في أنقرة، لصحيفة «حورييت» إنها «مستغربة من العمل الذي أقدم عليه ابنها». وقال والد «متين»، الذي قتل وأصاب أكثر من 100 شخص في إطلاق نار داخل نادٍ ليلي بأورلاندو: «أنا حزين ومحتار حقاً ومتفاجئ». أما شقيق التونسي «أنيس» الذي قاد شاحنته في سوق في برلين، وقتل وأصاب 62 شخصاً، فقال لوكالة «فرانس برس»: «عندما رأيت صورة أخي لم أصدق عينيّ.. أنا مصدوم».
ولا أحد ينكر صدمة أقرب الناس إلى الإرهابيين. وفي المقابل، لم تكن وصيةُ «العمري» عبثيةً، فهو قدّر أن للوالدين دوراً في تكوين الإرهابي (الاستشهادي في نظره)، وأنه بهذا التكوين وُجدت لديه القابلية للوصول إلى أقصى درجات كراهية الآخر، وهي ذبحه، ما جعل والديه يستحقان الأجر على الذبح!
لكن مهلاً، أليست صدمة أسرة الإرهابي ناشئة عن عدم توقعها المصير الذي انتهى إليه؟ فلو كانت تتوقع، لما أصيبت بالصدمة عند بثّ صورته كإرهابي، وهو ما ينفي أي دور للأسرة في الحال التي أصبح عليها، فالمرء يتوقع الشيء أو لا يتوقعه بناءً على مقدماته. والإشكالية هنا بالذات، أي عدم توقع مَن يحكي لابنه قصص المحتالين باعتبارهم أذكياء، تحوله ابنه إلى محتال عند القدرة على التصرّف بعيداً عنه. وعدم توقع مَن تشحن ولدها باحتقار المختلفين، تورّطه بعد ذلك في سحق من هو مختلف عنه.
لا يصبح المرء إرهابياً بين عشية وضحاها، ولا يمكن تجاهل ما استقرت عليه البشرية من أن المتولّين تربية الإنسان يشكّلون مفاهيمه عن نفسه وعن الآخرين، وما هو صائب وما هو خاطئ. ورغم أن الميت قد يولد من حي، والمتطرف قد يكبر بين يدي متسامح، لكن ليس دائماً، وإلا ما كان للتربية أي دور.
هل هذا يعني أنهم زرعوا فيه فكرة «العمل» إرهابياً كما يزرع أحدُنا فكرة العمل طبيباً في ابنه مثلاً؟ كلا، لكننا نهيئ التربة، ونضع البذرة، ونتوقع حبّاً غير الذي وضعنا بذرَه، ثم تأخذنا الصدمة حين تطلع الحبّة على البذرة.
وبدلاً من إدانة الشرطي التركي، ضجّت مواقع التواصل بالتصفيق، وكان بعض المصفقين أساتذة جامعات وإعلاميين، بل إن منشداً شهيراً انزعج من تصفيته على يد رفاقه، لأنه لا يجوز الاقتصاص من مسلم قتل غير مسلم! وظهر فيديو لعجوز يرتدي الإحرام يقول فيه إنه سيؤدي وأولاده العمرة عن ذلك القاتل. وانتشر فيديو لطفل ملفوف بالقماط الأبيض، وصوت من خلف الكاميرا يقول إنه تم تسميته «مرت» على إسم الشرطي القاتل .